الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ضآلة الإعلام أمام غول الإنترنت


 أسعدتني المشاركة في مؤتمر الشرق الأوسط السادس  للإستراتيجيات الإعلامية، مؤخرًا، والذي استضافته القاهرة، برعاية مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر)، الذي يرأسه الدكتور طارق آل شيخان، رئيس مجلس ورئيس الجمعية العربية للصحافة والإعلام (آرابرس) والمركز الخليجي للاتصالات الإستراتيجية، (جي اس سي) وحضره لفيف من الإعلاميين، وعلى رأسهم وزير الإعلام الأسبق، اللواء/ طارق المهدي، وكبار الصحفيين المصريين والعرب ومنهم الزميل حسن الرشيدي، رئيس مجلس إدارة دار التعاون سابقًا، والزميل ماهر مقلد، مدير تحرير الأهرام والمشرف على موقع جريدة الأهرام الإليكتروني، والزميل محمد صابرين، مدير تحرير الأهرام، وأحمد عبد الرازق، نائب رئيس الموقع الإليكتروني للأهرام، وأيمن رجب، المدير التنفيذي لموقع البوابة نيوز، وزملائي وزميلاتي من مهنة الصحافة والإعلام والعاملين بالقطاع المؤسسي والعلاقات العامة.

وقد تقدمت خلال المؤتمر بورقة عمل، إيمانًا مني بأهمية النهوض بالأوضاع الحالية للإعلام، عن استراتيجيات الإعلام في الوطن العربي، وتحدثت عن بعض المعايير التي يجب وضعها في الاعتبار، إذا كنا إذا كنا نرغب حقًا في إحداث التطوير وبالتالي النجاح على مستوى الاتصال والتواصل مع جمهور المتلقين.



مع الأسف الشديد، صناعة الإعلام أصبحت في وضع سيء يفتقر للمهنية وأصبحت وسائل الإعلام في كثير من الأحيان، إن لم يكن أغلبها، "بيزنس" لأشخاص لهم توجهاتِهم ولهم أجنداتِهم الخاصة، التي تتفق أحيانًا مع سياسات حكومة الدولة ومصالح الشعب وتختلف في أحيانٍ أخرى، وفقًا لمصالحهم.

وبالتالي، افتقرت هذه القنوات، لأدبيات المهنة، فلم تعد تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي، أو ترق للمهنية.. والإعلامي أصبح أداة في يد صاحب هذه القناة، يقوم بعمله غير عابئٍ بواجبات المهنة أو رسالتها، ما أفقد كثير من وسائل الإعلام العربية دوره الحقيقي.

على الجانب الآخر، تفوقت قنوات الإعلام الأجنبي الناطق باللغة العربية على إعلامنا العربي (من خلال مواد إعلامية وتقارير مصورة لا تستطيع القيام بها القنوات المحلية في الدولة) وتبثها هذه القنوات، حين تريد، عن واقع الحياة التي يعيشها المواطن، ليتعاطف معها القطاع العريض من الشعب، مثل قنوات BBC عربي وSkynews والحرة وRT وDW و France 24.

وحتى في المواد العلمية والأفلام الوثائقية، وصلت المنافسة لأشرسها، فهناك National Geographic والتي تقدم أفلام وثائقية وعلمية وأحيانًا برامج ترفيهية، ليتسلل هذا الإعلام القادم لمجتمعاتنا العربية، من بعيد، دون سابق إنذار، ومع الأسف، لا نملك المحتوى الجيد أو الجاذب مثل هذه القنوات التي تنافس بضراوة.

وقد تحدثت عن الإستراتيجية الإعلامية للدول والاستعداد مسبقًا لمواجهة الأزمات والطوارئ وكيفية التصدي للإعلام المضاد... (مصر مثال) إذ يتوجب أن:

- تتبنى الدولة مفاهيم إعلامية جديدة، تعتمد على تغيير المضامين الفكرية العقيمة، والتي باتت غير مواكبة للإعلام الحالي.

- خلق قنوات جديدة تتواصل مع جمهور المواطنين، حكومية وخاصة، تحت مظلة الدولة، بشروط تخدم المواطن، همومه وطموحه، كما تخدم الدولة في ذاك الوقت، عن طريق تبني الدولة لإستراتيجية، هدفها توعية المواطن بالجهود المبذولة في الدولة (المشاريع الضخمة التي تقوم بها الحكومة والجهود التي يبذلها الرئيس في هذا السياق) لتوعية المواطن بأهميتها وبالنفع الذي سيعود عليه مستقبلًا.

- ضرورة الحفاظ على الحق في حرية التعبير والنقد البنَّاء، للمصلحة الفضلى للدولة، وفي محاولة تقريبية لجمهور المشاهدين العريض، وبالأخص شريحة الطبقة الدنيا، والتي يسهل الوصول إليها وتحريكها، بل واستخدامها في بعض الأحيان، كأبواق تعادي الدولة على مواقع التواصل، وكل ذلك، من خلال آلة الإعلام المضاد، والذي يستخدم كوسيلة سريعة ومؤثرة، للوصول إلى الهدف، الذي هو تعكير الصفو العام للدولة.

كما أكدت على أن الإستراتيجية الإعلامية العربية التقليدية، باتت لا تصلح في زمن الانترنت والإعلام الالكتروني.. مع الأسف، غابت المواقع الإخبارية العربية عن مواكبة التطور المتلاحق للإعلام، ولم تستطع مواكبة التحول المذهل في هذا العصر الرقمي، خاصة في ظل وجود مواقع التواصل المختلفة، التي تستبق المواقع الإخبارية في نشر المعلومات.. فباتت تظهر بشكل لا يا تناسب مع المحتويات العالمية، إلا أنها أوفر حظًا في إحداث بعض التغييرات الشكلية في هذا المجال، عن الإعلام المرئي، الذي كان أقل حظًا في مواكبة هذا التطور المذهل.



في العالم العربي، نحن نواجه مشكلتين كبيرتين: الأولى هي أن الإنترنت سمح لهذه الوسائل الإعلامية الأجنبية المتطورة بالتواصل مباشرة وباللغة العربية مع الشعوب العربية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لوسائل الإعلام العربية التقليدية، غير المتطورة، والتي تواجه إلى يومنا هذا، خطر عدم القدرة على خلق قنوات ناطقة بلغات أجنبية، تستطيع أن تخاطب الآخر، أو حتى تحاول أن ترد، بتقارير قوية، على الهجمات الشرسة التي تتعرض لها من خلال "الإعلام المضاد".. إضافة إلى ذلك، عدم التجديد في الخطاب الإعلامي العربي، الذي يفتقر إلى المهنية، ما يسهل عملية اقتحام الشعوب العربية واختراقها إعلاميا بكل سهولة ويسر، ما يصعب مهمة الإعلام العربي.



ثانيًا: المشكلة التي لا تقل أهمية، هي أن كثير من وسائل الإعلام العربية، الموجودة على الساحة الآن، لم تواكب متغيرات العصر، بل ولم تستجب بشكل سريع لمتطلبات التغييرات الجديدة التي تطرأ على الساحة الإعلامية.



غير أن الأمر لم يقتصر على الصحافة أو الإعلام فقط، فقد بدأ مستخدمو الإنترنت في طرح بدائل لقنوات التليفزيون تقدم الفيديوهات على "اليوتيوب" وتعرضها لمن يشاء في أي مكان في العالم، ليتمكن أي شخص أن يتحول لإعلامي، بمجرد أنه أنشأ قناة، مقرها المنزل أو حتى من على مكتبه في العمل، وهي بداية قد تتطور لاحقًا، لتظهر قنوات تليفزيونية قوية على الإنترنت تنافس قنوات البث التقليدي المعروفة، سواء كان أرضي أو فضائي.



وفي المجال الإذاعي، ظهرت أيضًا محطات الإذاعة على الإنترنت، والتي أحدثت بدورها، تهديدًا على الإذاعات التقليدية، خاصةً وأن كثيرًا من السيارات الحديثة، المتواجدة بالأسواق العربية، أصبحت مجهزة حاليًا بخاصية "اليو اس بي" والتي يستطيع من خلالها، سائق السيارة، الاستمتاع بخدمة الإنترنت.



أما أخطر التطورات على المجال الإعلامي في العالم، وخاصة في الدول العربية، فهو "السمارت فون" أو التليفون المحمول الذكي القادر على التواصل مع العالم عبر شبكة الإنترنت.

ومصدر الخطورة، يكمُن في أن هذا الجهاز يحمله مئات الملايين من الأشخاص في كافة بقاع العالم ولا يفارقهم أبدًا، ولا يستطيعون الاستغناء عنه كوسيلة للتواصل أو الانفتاح على العالم من خلال التطبيقات الموجودة على شاشته. وبالتالي، فهو أفضل وسيلة لنقل المعلومات لمن يستخدمه في أي مكان.



وفي ظل هذا التطور المهم والسريع والمتلاحق لشبكة الانترنت، سيكون على كافة وسائل الإعلام العربية (تكييف) المضمون الذي تقدمه وفقًا لقدرات وخصائص التليفون المحمول (عرض الشاشة مثلًا أو سعة البطارية وقدرتها) وكذلك طبيعة شخصية المستخدم واحتياجاته سواء لمعلومات أو لأخبار أو دراما أو ترفيه أو ألعاب أو حتى مواقع التسوق التي توفرها شبكة الانترنت للمستخدمين على الساحة، كخدمات من خلال تطبيقات يتم تحميلها على الهاتف المحمول أو "الآي باد".



وواقع الحال حاليًا، يفرض علينا تحديات، تؤكد أن أي إستراتيجية نضعها في العالم العربي بعيدة عن المستجدات على الساحة الإعلامية، لن تكون مؤثرة بل ولن تكون مجديه ولن تجد الهدف المأمول أو المرجو منها.

وقد تقدمت من خلال ورقة العمل، ببعض المقترحات التي تم وضع بعضها، كتوصيات لمؤتمر، استراتيجيات الإعلام العربي.

ومنها: تعاون عربي وثيق في مجال الإعلام يتجاوز الاهتمامات القُطرية لكل دولة تحت مظلة جامعة الدول العربية مثلًا.. يُسفر عن إنشاء قناة تلفزيونية إخبارية وثائقية وأخري ترفيهية ثقافية، يكون مقرها القاهرة، وتكون متاحة فضائيًا وعلي اليوتيوب مجانًا، بدعم مالي يَتفق مع دخل الدول المشتركة، تذيع باللغات العربية والانجليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية والصينية والتركية والفارسية والعبرية والروسية والسواحلية .. أهدافها دعم وجه نظر العرب السياسية وتقديم الثقافة والحضارة والقيم العربية.

عمل خُطة طموح، لتدريب الإعلاميين في الدول العربية وصولًا للمستويات المهنية الدولية (والتدريب رفيع المستوى، ضرورة في ظل المنافسة الشرسة الحالية) يتولى هذه المسئولية، تكتل، يضم عدد من مراكز التدريب المهمة في الشرق الأوسط.. وقد تم الإعلان خلال المؤتمرعن تعاون بين المركز الخليجي، للإعلام والصحافة والاتصالات الإستراتيجية، (جي اس سي ميست)، الجمعية العربية للصحافة والإعلام (آرابرس) ومعهد الأهرام الإقليمي للصحافة والتدريب، التابع لمؤسسة الأهرام المصرية العريقة.

من قلبي: الإستراتيجية الإعلامية العربية، يلزمها رؤية وأهداف وخطط وسياسات ولكن يلزمها أيضا، إدراك من المؤسسات والحكومات العربية، للواقع والتعامل معه بشكل مناسب.

وطالما أن السموات أصبحت مفتوحة على مصراعيها ويسهل من خلالها تلقي أي معلومة، فلابد من التفكير في آليات سريعة، يتفق عليها بلدان الدول العربي، لمواكبة هذا "الغول الضخم"القادم لنا من الخارج بلغتنا العربية والذي يشبه طائر "الرخ" الأسطوري في حجمه وتأثيره.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط