الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الانتحار في لبنان.. ظاهرة لافتة وأرقام مخيفة.. تفاصيل

الانتحار في لبنان
الانتحار في لبنان ظاهرة لافتة وأرقام مخيفة

  • حالتا انتحار في لبنان منذ مطلع الشهر الحالي
  • شاب ينهي حياته لعجزه عن شراء منقوشة زعتر لابنته
  • أكثر من 100 حالة انتحار في لبنان سنويا منذ 2008
  • الانتحار مؤشر لتردي أحوال الصحة النفسية في لبنان

بلغ تكرار ظاهرة الانتحار في لبنان حدًا أصبحت معه قضية عامة، بالتزامن مع احتجاجات الشعب اللبناني المتواصلة منذ أسابيع ضد تردي الأوضاع الاقتصادية والفساد الحكومي.

وأقدم شاب لبناني يُدعى ناجي الفليطي، الاثنين الماضي، على الانتحار بشنق نفسه بعد أن تراكمت الديون عليه حتى بلغت نحو 700 ألف ليرة لبنانية (350 دولارًا).

وبحسب قناة "العربية"، فمع أن الفليطي، المتزوج من امرأتين، والأب لابن وبنت، من دون عمل منذ شهرين تقريبا، إلا أنه كان يجهد في محاولاته لتأمين المستحق عليه ودفعه للدائنين، ولكن من دون نتيجة دائما، إلا أنه حدث ما يمكن اعتباره "القشة التي قصمت ظهر البعير" حين طلبت منه ابنته أن يشتري لها "منقوشة" زعتر، ثمنها 1000 ليرة على الأكثر، أي نصف دولار، فحاول ولم يتمكن، ثم انتهى عاجزا عن شرائها، لذلك احتدم عليه اليأس والتشاؤم، وضجّ رأسه باسوداد حاصر قواه، فقرر إنهاء حياته بالسهل الدموي الممتنع: مضى إلى خلاء خلف البيت، وهناك أدخل رأسه بحبل علقه، ثم هوى بنفسه منتحرا.

وبعد انتحار ناجي الفليطي قبل أيام في بلدة عرسال بقضاء بعلبك بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، أقدم الشاب داني أبي حيدر على الانتحار، الأربعاء، مطلقًا النار على نفسه بمنزله في منطقة النبعة بسن الفيل في محافظة جبل لبنان.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي الخبر، وسط غضب من الحالة المأساوية التي وصل إليها الشعب. وفي فيديو انتشر على مواقع التواصل أثناء نقل جثة الشاب في سيارة إسعاف، ظهرت الأم محروقة القلب وهي تصرخ: "ليش يا داني".

وفي أوائل فبراير الماضي، سقط اللبناني جورج زريق ضحيةً للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، بعد أن ضاقت عليه ضغوط متواصلة من إدارة المدرسة التي تتعلم فيها ابنته بقرية "بكفتين" في منطقة الكورة بأقصى الشمال اللبناني، والتي رفضت إعطاءه إفادة لينقلها إلى مدرسة رسمية تابعة للدولة، قبل أن يسدد المستحقات المتراكمة لها عليه بسبب سوء وضعه المادي، فمضى إلى باحة المدرسة، وأشعل بنفسه النار وانتحر.

وكشف رئيس الدولية للمعلومات جواد عدرا في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، أن "متوسط عدد حالات الانتحار سنويا من 2004 إلى2007 بلغ 60 حالة، في حين ارتفع الى 103 حالات في 2008 وتابع الارتفاع فوصل إلى: 111 حالة في 2013، 128 حالة في 2016، 143 حالة في 2017، 155 حالة في 2018، وحتى سبتمبر 2019 بلغ 105 حالات وفي أيام من ديسمبر 3 حالات".

وتقول المحللة النفسية ليلى أبو جودة لموقع "إيلاف" السعودي، إنه "في العادة لم يكن الانتحار من المواضيع التي تشغل بال اللبنانيين ولا يشكل ظاهرة ملفتة، لكنه بدأ يتحول إلى أحد المواضيع الساخنة في الأعوام القليلة الماضية، وبلغ الاهتمام به ذروته هذا العام، بحيث بات ظاهرة شغلت الرأي العام وصارت من المواضيع التي تشغل الإعلام اللبناني والعربي".

ومع ذلك هناك من يجد أن الانتحار في لبنان لا يزال ضمن المعدلات العالمية العادية ولا داعي للقلق. كما ازدادت معدلات الانتحار في السنوات الماضية زيادة ذات معنى، فتضاعفت عدة مرات منذ العام 2008 وحتى الآن.

وعن الأسباب الكامنة وراء زيادة نسبة الانتحار في لبنان، تقول "أبو جودة": "إن تفكك المجتمع والتفكك الأخلاقي يؤدي إلى تيارات من الكآبة واليأس والخيبة، ما يعرض الفرد ذا الوضعية الهشة للانتحار. وهذا مؤشر مهم على تردي أحوال الصحة الذهنية عمومًا في لبنان".

ويبقى، بحسب "أبو جودة"، أن "التردي الهائل حصل عام 2017 ومطلع العام الجاري فوصل البلد إلى حافة الانهيار على جميع الصعد، من فشل الدولة والمؤسسات إلى الإفلاس وإغلاق المصانع، إضافة إلى الوضع السياسي والأمني المضطرب وغير المستقر والوضع الاقتصادي الخانق والبطالة والفقر، مما يقلق المواطن ويزيد ارتفاع حالات الاكتئاب المتفشي وسمة اليأس التي تتردد على كل لسان".

وتلفت "أبو جودة" إلى أن لبنان يمر بمرحلة انتقالية جعلت جميع الروابط تتعرض للانحلال، ومن الطبيعي أن تزداد نسب الانتحار، لأنه يتولد عندما تنتهي صلاحية القيم المجتمعية السابقة فتولد معها قيم جديدة، أو أخلاق جديدة لم يتأقلم معها الفرد أو لم تتركز بعد، فينتحر لأقل صدمة من صدمات الظروف المحيطة، تتراوح من القلق إلى الحيرة أو غياب المعنى.

وأوضحت أن "الانتحار هو نتيجة تراخي روابط المجتمع، وينجم عن حالة مفرطة من التفرد، عكس المجتمعات التي تتمتع بضمير جمعي قوي ما يمنع حدوث وانتشار الانتحار فيها. إن ضعف التيارات الاجتماعية الضابطة في المجتمع تمكن الأفراد بسهوله من تجاوز الضمير الجمعي ليفعلوا ما يريدون. وهذا يساعدنا على تفسير حالات الانتحار التي حصلت في لبنان، والتي يحصرها البعض بالوضع النفسي للمنتحر، وكذلك بالوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبنان".