معركة ترامب وبيلوسي بدأت في اليوم الرابع لرئاسة ترامب
ترامب وصف بيلوسي بأنها سياسية من الدرجة الثالثة
بيلوسي رفضت مقترحًا لعزل ترامب قبل تسرب المكالمة الأوكرانية
بيلوسي تستعد لإفشال ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة
صراع دائم وتبادل تسديد ضربات بلا هوادة، على هذا المنوال نُسجت جميع أفلام كارتون "توم وجيري" الطريفة عن الحرب الأبدية بين القط الضخم الشرس توم والفأر الضئيل الماكر جيري، وعلى هذا المنوال أيضًا تطورت العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ولا يهم هنا أيهما يلعب دور القط أو الفأر، ففي الحالتين لا يكف أيهما عن كيل الضربات للآخر.
في 23 يناير 2017، اليوم الرابع من رئاسة دونالد ترامب، استقبل الأخير كبار نواب الكونجرس في البيت الأبيض، وخلال حديثه معهم قال "أنتم تعلمون أنني فزت في التصويت الشعبي"، ثم شرع يكرر مزاعمه حول تزوير 3 - 5 ملايين صوت لصالح منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
هنا ارتفع صوت من بين الحضور يقول بحسم "هذا ليس صحيحًا"، كان ذلك صوت زعيمة النواب الديمقراطيين بمجلس النواب - آنذاك - نانسي بيلوسي، وفقًا لرواية صحفيي جريدة "واشنطن بوست" فيليب راكر وكارول ليونيج في كتابهما "عبقري متزن جدًا" عن رئاسة ترامب.
وبحسب ما نقلته مجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية عن الكتاب، أضافت بيلوسي بحدة "إذا كنا سنعمل سويًا فيجب أن نتفق على مجموعة معينة من الحقائق"، وحينها همس كبير مستشاري ترامب للشئون الاستراتيجية السابق ستيف بانون للمحيطين به "ستنال منا جميعًا. إنها سفاحة".
بمرور الوقت، غدت بيلوسي خصم ترامب اللدود الأبرز من بين خصومه جميعًا، واحتلت الصف الأول في قيادة المعارضة الديمقراطية ضد ترامب، وفي الرابع من فبراير الحالي بلغت العداوة بينهما ذروة قياسية جديدة.
في ذلك اليوم وقف ترامب ليلقي خطاب حالة الاتحاد السنوي، قبل يوم واحد من تصويت مجلس النواب على إدانته بتهمتي إساءة استغلال السلطة وعرقلة تحقيقات الكونجرس تمهيدًا لعزله، وقبل أن يشرع بإلقاء الخطاب سلّم ترامب بيلوسي نسخة ورقية مطبوعة منه، فمدت كفها بشكل عفوي لمصافحته، لكنه تجاهل كفها الممدودة وأدار لها ظهره ليبدأ بإلقاء الخطاب.
تمالكت بيلوسي نفسها وجلست خلف ترامب بينما يلقي خطابه متحاشية النظر إليه، وما إن انتهى ترامب من خطابه حتى لملمت أوراق النسخة المطبوعة ومزقتها أمام الحضور وعدسات آلات التصوير، وبررت لاحقًا تصرفها المخالف لقواعد اللياقة بأن خطاب ترامب كان "بيانًا من الأكاذيب".
ومنذ لقائهما في البيت الأبيض في يناير 2017 حتى مزقت بيلوسي خطاب ترامب أمام عيون العالم في فبراير 2020، لم يجتمع الاثنان يومًا تحت سقف واحد دون أن يتبادلا عبارات السخرية والتهكم والإهانة، ففي لقائهما قبل الأخير بالبيت الأبيض في 16 أكتوبر الماضي لاجتماع حول سوريا، غادرت بيلوسي الاجتماع بعدما وصفها ترامب بأنها "سياسية من الدرجة الثالثة".
وفي لقاء سابق قال ترامب لبيلوسي "أنا أكره تنظيم داعش أكثر مما تكرهينه"، فيما قالت هي للرئيس الأمريكي "كل الطرق لديك تؤدي إلى بوتين" في إشارة إلى التدخل الروسي في انتخابات 2016 لإنجاح ترامب.
وفي مايو الماضي، غادر ترامب اجتماعًا مع بيلوسي وزعماء ديمقراطيين آخرين، بعدما اتهمته بيلوسي بالتستر على مخالفات، وقبلها في اجتماع بالبيت الأبيض أيضًا في ديسمبر 2018، سخر ترامب من بيلوسي التي كانت تنتظر متوترة نتائج انتخابها رئيسة لمجلس النواب، فقال متهكمًا "يبدو أن نانسي في موقف يجعلها غير مستعدة للحديث الآن".
ولا يقتصر أثر الخصومة العنيدة وحرب التصريحات بين ترامب وبيلوسي على أن تكونا حديث مجالس النميمة في أوساط النخبة السياسية الأمريكية، وإنما تتعدى خطورة الموضوع ذلك بمراحل، حتى لتهدد استقرار نظام الضوابط والتوازنات بين السلطات، الذي أسسه الدستور الأمريكي.
وفي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عام 2018، استعاد الديمقراطيون أغلبية مقاعد مجلس النواب، وانتُخبت بيلوسي رئيسة للمجلس متغلبة على معارضة العناصر التقدمية والشابة من نواب الحزب الديمقراطي لتوليها المنصب، مقابل وعد بتخليها عنه عام 2022.
وفي العام الماضي، بعد انتهاء عمل اللجنة الخاصة برئاسة المستشار روبرت مولر للتحقيق حول التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية، عارضت بيلوسي أصواتًا ديمقراطية نادت بإطلاق محاكمة برلمانية لعزل ترامب، مقدرة أن الفكرة لا تحظى بقبول شعبي، وأن تقرير مولر لم يقدم أدلة كافية لإدانة ترامب بالتواطؤ مع روسيا.
لكن في سبتمبر الماضي، تسرب نص مكالمة هاتفية بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جرت في يوليو، وتلقف الديمقراطيون هذه المكالمة ليوجهوا اتهامًا لترامب بإساءة استغلال السلطة، من خلال الضغط على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيق حول علاقة منافس ترامب الديمقراطي المحتمل في الانتخابات المقبلة جو بايدن وابنه بشركة غاز أوكرانية، مهددًا بقطع مساعدات عسكرية أمريكية لأوكرانيا في حالة رفض زيلينسكي، وتكمن إساءة استغلال السلطة هنا في أن ترامب - حسب اتهامات الديمقراطيين - استعان بدولة أجنبية للإضرار بسمعة مرشح منافس.
عندئذ، تبدل موقف بيلوسي من المطالبة بعزل ترامب تمامًا، فهي قد رأت أن تصرف ترامب مع زيلينسكي قد تجوز حدود "السلوك السيئ" إلى "مخالفة الدستور"، وراكمت جلسات الاستماع إلى الشهود في مجلس النواب أدلة معتبرة على تفضيل ترامب مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية.
وقبل تصويت مجلس الشيوخ في 5 فبراير على إدانة ترامب بالتهمتين الموجهتين إليه، بدت بيلوسي واثقة أكثر من اللازم بأن المحاكمة ستفضي إلى عزل ترامب في النهاية، والنهاية هنا لم تكن يوم تصويت مجلس الشيوخ، الذي انتهى بتبرئة ترامب، وإنما الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في نوفمبر، وهي الامتحان الحقيقي الذي تأمل بيلوسي أن تتفوق فيه على ترامب بحشد الناخبين للتصويت ضده، أو كما قالت: "أيًا كان ما سيحدث فقد تم عزل ترامب إلى الأبد".