ملتحي ولكن!

ما يُرفع له حاجب العين دهشةً، وما تهرب منه النفس حسرةً، وما لا يجد القلب في تفسيره رغبةً، أن اللحية باتت نذير شؤم، يدعو الآخر إلي توخي الحذر من صاحبه، وما من صديقٍ حميم، أو قريبٍ ذو ثقة، سوي وتذهب بك خبراته الشخصية إلي التأكيد علي ما سبق من معنى، تاركاً في العين دمعاً كقطر الندي في فصل الربيع
:
فهذا مديرُُ، لكتاب الله حافظُُ، ولصلاة الليل قوٌامُُ، ولمجالس الدعاء حاضرُُ، سوي أن هذا لا يمنعه من عبوث قمطرير لا يفارق وجهه، وظلم بيٌن يسود قراراته، ونميمة نمٌاء أصبحت أكبر هواياته، وذاك زوجُُ، يُحرِم إرتداء "الدبله"، ويقشعر بدنه لإستخدام "السبحه"، ولكنه لا يتواني عن ضرب، وركل، وسب زوجته، وأم أبنائه كلما تسني له ذلك.
والحق أقول لكم، التعميم فيه سم قاتل، فمن أتباع الفٍكر المعروف ب"السلفية" ما يطيب القلب لحديثه العذب، ويصفو العقل لفطرته السليمه، وبيت القصيد هنا أن هذا النموذج الأخير نادر الوجود، كقطرةٍ في بحر لا تهدأ أمواجه أبدا، فيما أعرفه أنا، وفيما يعرفه المقربون جميعا.
وما بين فتنة الفضائيات، ورواتب بآلاف الدولارات، وتعدد الزوجات، وحديث عن عشرات الفيلات، وإنتشار عبثي في شتي التخصصات، وما خفي من مجلدات، أكل عليها الزمن وشَرِب، حتي أمسكت أمعائه، وزاد شحمه ولحمه حتى انفجرت أحشائه في وجه خلق الله بلا إستئذان، نبحث عن جواب.
ذلك التدين السهل الذي ملأ جنبات الأرض، صار وبالاً كارثياً علي دين حنيف يُسيء أصحابه إليه من حيث لا يدري أحدهم، وبات المُراقب لما يجري علي الأرض تائها بين محسوس وملموس، ينظر إلي ما يري نظرة أبٍ كشف عن سروال ابنه المبلول، ونبقي في إنتظار خطاب ديني جديد، يستطيع الولوج إلي عقولنا وقوبنا، لصياغة قالب معرفي متكامل، ينتصر جوهره علي مظهره، ويترك في أعماقنا كلمتان قادرتان علي سرد الحكاية من الألف إلي الباء: "الدين المعاملة".