الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: التفكّر في القادم بعد "كورونا"

صدى البلد



بعد ظهور جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف مجالات الحياة ومايرافقها من حالات البحث والتفكر من قبل المتابعيين عن كيفية ظهور الفيروس وسببه بالإضافة إلى دور الممارسات والتدخلات( الهادفة إلى الربح والهيمنة )في الطبيعية والمجتمع من قبل النظام الليبرالي العالمي مع الإشارة أن الجائحة والمصائب والويلات هي تجسيد وتعبير  مكثف عن طبيعة النظام الذي ينظم الحياة وطبيعة العلاقات بين التكوينات والموجودات في أغلب الأوقات .
 مع التركيز على معرفة أسباب فشل السياسات الصحية في الكثير من الدول والمجتمعات نتبين أن هذا الفشل إنما يعكس أزمة في بنية النظام العالمي المهيمن ومن يتابع الموقف العام وسلوكيات هذا النظام يتأكد أن الكل بات يقول أن العالم وأنظمة الإدارة وتنظيم المجتمعات سيتغيير في السنوات القادمة.علمًا أنه قبل كورونا كانت مشكلة الإرهاب وأيضًا أثبتت الوقائع فشل الاليات المتبعة في مواجهتها أو ربما عدم جدية النظام المهيمن في محاربته ،كونه يمكن الإستفادة السياسية من وجودهم وإلا كيف يمكننا أن نفسر علاقة تركيا وقطر مع القاعدة وداعش في ظل الصمت الدولي .    
لو أردنا البحث والتفكر في القادم علينا الدنو أكثر من من دعامات نظام الهيمنة العالمية ومنها الرأسمالية(نظام الإستغلال ومرض إجتماعي) وحداثتها (طبيعة ونهج الحياة )الحاكمة في العالم.  لنجد أن أنها كانت تحاول التمركز في القارة الأوربية  مع بداية القرن الرابع عشر  ووصولًا لحرب الثلاثيين وإتفاقية وستفاليا  ومرورًا بالمراحل  المختلفة حتى الوصول إلى جعل أوربا القوى المركزية في الهيمنة العالمية  و لا يفى على أحد  أنها كانت بمثابة إمتداد للقرون الخمسة  للمدنية وللحضارة المركزية التي تنحدر من أطراف الهلال الخصيب والنيل أي من مناطقنا وذالك بعد أن قامت قوى ريادية في القارة الاوربية  بأحتوائها بالإستناد إلى إستراتيجية الخلاص والهجوم .
بما أن للأنظمة المركزية  والسلطات التحكمية خاصيات تنطبق عليها في أغلب الزمكانات فإنها تنطبق على الراسمالية الأوربية أو الهيمنة الأوربية ومنها:
1_التنافس والهيمنة(تشكيل بؤر السلطة والصراعات فيما بينهم حتى تتزازل ويدخل الكل تحت حكم الأقوى).
2_المركز_الأطراف(عن الأزمات يتبادل الأطراف والمركز اماكنهم في ان يصبحوا القوة المسيطرة والمهيمنة).
3_فترات الأزمة الدورية والأزمات البنيوية وذالك عندما يصبح النظام غير قادر على الاستمرار بذاته ضمن الياته وذهنيته الحالية.
وكما يتواجد قوى الهيمنة والقوى الديمقراطية  وصراعهم دائمًا فإنها تواجدت في النظام الأوربي المهيمن، وترسخت فيها.   لكن يبدو أن قوى الهيمنة نفذت بنجاح من الصراع  وبلغت العالمية بتأسيسها الإحتكار على التجارة والمال والصناعة وبتنظيمها  للقوى اللازمة للإحتكار والنهب بنمط الدولة القومية(التي تعتمد على قومية واحدة و تمارس الإبادة و التطهير العرقي ضدالتنوع والتعدد الموجود) التي صدرتها لكل مناطق العالم أما مركزيتها العالمية فتحققت بتوطيدها في الشرق الأوسط  وبإستعمار الصين والهند وأمريكا وأفريقيا وبإخضاعهم لتبعيتها بمستويات مختلفة.
لم يستطع كذلك النظام الأوربي المهيمن من حل القضايا الإجتماعية التي هي سبب وجودها وظلت دعامتها الرئيسة الرأسمالية بحد ذاتها أزمة بسبب قانونها الأساسي الربح الأعظمي ولتوظيفها  الإنسان والمجتمع والطبيعة في خدمتها بغض النظر عن أحتياجاتهم الاولية.وكما أن السلطة اللازمة والمعاد تشكيلها كدولة قومية فتزيد بمضاعفة ذاتها الى أقصى حد على حساب المجتمع حتى وصلت درجة الفاشية في أغلب المناطق في أوربا وخارجها، وعندها تحول إلى نظام حرب داخلية وخارجية دائمة ومنها الحربيين العالميتين  بلإضافة إلى الحروب وتقسيم الشعوب والأوطان مثل تقسيم العرب إلى 22 دولة وتقسيم  الكرد وأراضيهم بين أربع دول بالإضافة إلى ما جرى في فلسطين والإبادات المستمرة من قبل تركيا  بحق شعوب ميزوبوتاميا حتى يومنا هذا . ويكننا القول "يستحيل الاستمرار  بحالة الأزمة الدائمة الإ بحالة من الحروب الدائمة" .   
لقد قال الفيلسوف" هوبز " في أثناء ولادة  النظام الأوربي المهيمن " الإنسان ذئب الإنسان" لكن في مراحل الأزمات والإنهيارات الجارية أصبحوا ذئابًا ليس ضد الأخريين بل أصبحوا ينقضون حتى على صغارهم.وحالة تصرف بعض الدول والسلطات وتوابعهم تجاه مجتمعاتهم تعكس صدقية كلامه.
ومنذ أن أصبحت أمريكا  القوى المركزية في النظام المهيمن وصلت معها النظام العالمي  بأدواته ورقمياته ودعاماته ومؤسساته  وشركاته الدولية الى مرحلة العالمية و العولمة على أوربا وعلى كل المناطق في العالم . ولكن أنعكست تطفو الأزمات على السطح  مثل أزمة المال المالي والعديد غيرها كالإرهاب والأحتباس الحراري والتغيرات المناخية وظهور الأمراض والأوبئة .  
ما يعاش الأن من داعش وأمثالها ورعاتهم الإقليميين و كورونا وتداعياتها الأقتصادية وكذالك المشاكل المادية ليست أزمة صحية أو إقتصادية أومالية بل يعبر ما  يتعدى  عن الأزمة البنيوية للنظام العالمي الليبرالي فموضوع الحديث وعمقه يمتد لأكثر من لمئات الأف السنيين  نتيجة التراكم والضخامة التاريخية لنظام النهب والسلب و كذالك الحياة الأفتراضية المنقطعة عن الحقائق الإجتماعية.
وبعد هذه المحاولة للفهم لنضع بعض الإحتمالات للحل على المدى القصير و المتوسط والبعيد في تصرف الشعوب والمجتمعاتة و السلطات والجغرافيات السياسية إستنادًا لثقافاتها الجوهرية المختلفة :
1_أمريكا: ستتمكن من إبداء كفاءتها في النفاذ من الأزمة البنيوية بترميم نفسها بصفتها قوة النظام المهيمنة لكن النفاذ ببنية جديدة غير وارد . وهذا النفاذ لن يجعلها في نفس قوتها بالقرن العشريين اذا ستسعى للإستمرار بهيمنتها بمشاطرتها مع الإتحاد الأوربي واليابان. وستبقى الهيمنة الأمريكية مرغمة على البقاد كأمتداد لأمبرطورية بريطانيا وحليفًا استراتيجيًا لإنكلترا ، وكذالك هي مرغمة على الأستمرار في تقاليدها الديمقراطية في نفس الوقت . فقوة أمريكا ليس فقط من العناصر المهيمنة بل من قوة المجموعات الجمة ذات التقاليد الديمقراطية التي توضح الأختلاف و التباين  وهي بذالك مثلت التراكم الثقافي المادي والمعنوي للنظام المركزي. ولن تكون قادرة على حرب شاملة سوى بعض الهجمات الموضعية للدفاع عن هيمنتها  وكذالك الحروب بأدوات جديدة ومختلفة.   
2_الصين :  من غير المتوقع حلولها محل أمريكا كمركز قوة مهيمنة جيدة مثلما يزعم. بل من المتوقع المرور طريًا بإصلاح رأسمالي محدود يسمى باللبرلة. وهي تعيش تجربة رأسمالية ودولة قومية وصناعوية( استخدام الصناعة لخدمة السلطات ضد المجتمع) خاصة من خلال تركيبتها الخاصة الجامعة بين الليبرالية والاشتراكية بصيغتها السوفيتية.ولايتوقع تحقيقها كيانًا مغايرًا للحداثة الأوربية بشكلًا كبير.و ربما ستعمل على البراعة في أكثر الأنواع رجعية ويمكننا تسميته بالألماني "البروسي". وقد يدخل تحول ديمقراطي_اشتراكي جدول الأعمال كأحتمال.وينبغي تبؤء هذا الاحتمال عند تجزر الأزمة البنوية للرأسمالية بالأغلب. وبلإمكان النظر إلى كوريا الشمالية وفيتنام كصين مصغرة. 
3_الأتحاد الأوربي: ستستمر بتحالفها الإستراتيجي مع أمريكا ولكنها مرغمة على القيام بالترميم وحتى الاصلاح الرئيسي . فالقوى التي ستحدث الإصلاح ستكون بارزة هنا كون القرون الخمسة الأخيرة  للنظام المهيمن كانت مركز قوتها في أوربا ، والأتحاد الأوربي نشأ من الحاجة إلى الإصلاح في الدعامات الثلاثة للنظام المهيمن من الدولة القومية والراسمالية والصناعوية. وبذالك سيكون الاصلاح لصالح الاشتراكية والديمقراطية والحركات البيئية ،  وهي تدرك صعوبة الإستمرارية من دون هذه الإصلاحات بعد كورونا وتدعياتها وغيرها  من الأزمات . لكن من غير الوارد انتظار إنطلاقة جديدة على صعيد النظام.  
4_روسيا والهند والبرازيل: لا كفاءة لهم في تكوين نظام خاص وجديد. والأحتمال الاقوى هي سعيهم ايضًا للبراعة مثل الصين. وهم غير قادرين على تخطي أوضاعهم الحالية على المدى الطويل. فهم يعيشون الراسمالية أساسًا. لم تلتحم الدول الثلاث مع النظام المهيمن ولكنها لم تستطع التحول إلى مركز هيمنة مستقلة. ومحاولة روسيا للتحول إلى نظام جديد أيام الأتحاد السوفيتي لم تسفر عن نتيجة سوى التحول إلى رأسمالية بعد سبعين عام . ومن الممكن أن تظهر التقاليد الديمقراطية في الهند. لكن البرازيل مصيرها مرتبط بالأنطلاقة الديمقراطية في أمريكا الجنوبية.
5_أمريكا الجنوبية: لها القدرة على القيام بإنطلاقات ديمقراطية خاصة بها في مرحلة الأزمة البنيوية . لكن وجود البنى الأوليغارشية الوطيدة تخلق تحديات جمة. وقد تقلبها بالعكس من مضمونها . بالإضافة أن الأرضية النظرية والعملية للإنطلاقة لم تتطور هناك كثيرًا. وبلإضافة إلى كونها مجموعة بلدان تستطيع التحدي اكثر من غيرها أمام الهيمنة الأمريكية. لكن تحقيقها نظامًا ديمقراطيًا_إشتراكيًا خاصًا  يغدو عصيبًا . أما تعميقها النموذج الكوبي يقتضي الحرب مع أمريكا . و تمكنها بمفردها  إحتمال ضعيف وضعفها قادم من نقاط الضعف البرجوازية التي تتواجد على المستوى الريادي  في قواها الديمقراطية . 
6_أفريقيا:  لاتزال قدرة أفريقيا على التحدث بإسمها محدودة وهي مازالت تحيا مرحلة الخروج من الإستعمار الكلاسيكي والنزعة القبلية. ويتوقع مصيرها وإمكانية  التطور أرتباطًا بمصير العالم اي بمصير الإله أو القوى الشعبية التي سوف تحكم. ومن غير المتوقع أن تحيا تجربة مختبر إجتماعي مثل أمريكا الجنوبية من الأنسب تقييمها كأمة واعدة.
7_ الشرق الأوسط: من المهم تقيم الشرق الأوسط كمنطقة ثقافية قديمة وليس كمجموع بلدان ، فهي أرضية لأصالة الثقافة الشرقية  وتمثيلها. وهي التي كانت القوة للهيمنة المركزية مدة قرون متعددة. وصاحب العشرة آلالف عام من العصر النيوليتي. لذا من غير المتوقع نفاذ تاريخها حتى لو أصبحت تابعة لليهمنة الأوربية التي أنتزعت منه تراكماته الثقافية المادية والمعنوية. لقد أحرزت أوربها النجاح بفرض هيمنتها على العالم لكنها لم تحرز ذالك في الشرق الأوسط وذالك ليس بسبب وجود دول مقاومة او قوية بل بسبب التقاليد الثقافية للمنطقة ولشعوبها. وهذه التقاليد ترفض نمط الاستسلام كما حصل في مناطق الاخرى من العالم حتى لو شاء الممثلون العصريين لثقافة المنطقة. وهذا الرفض مرده قوة التقاليد وليس قوة التمثيل. لكن هذه التقاليد لا تجد لذاتها تعبيرًا في الاسلام السياسي الرديكالي ولا في نموذج الإشتراكية التي طبقها الأتحاد السوفيتي بالإضافة إلى أن  نمط الدول القومية وسلطاتها التابعة للنظام المهيمن أيضًا لاتملك مهارة الإنسجام والتكامل مع تلك التقاليد . وما يعاش هو فوضى نموذجي.
لقد شوهدت اول مرة في التاريخ تركيبة الشرق _الغرب  مع الإسكندر الكبير. والتقاليد الهيلينية أثرت كثقافة ناجحة  وتركت آثارًا كبيرة في  الديانات السماوية الثلاثة والثقافة الهندية.  وهي كانت العجينة الأولى للحداثة والنظم الغربية . وأستمرت التدخلات الأوبية في المنطقة  و لم تحرز النحاج رغم سعيها وحروبها . ولايزال مستمرًا  كما بدأه نابليون  وطورته بريطانيا وتستمر به أمريكا وأدواته الإقليمية بدًا من افغانستان  إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن  وغيرها من حالات التدخل أيام ما يسمى الربيع العربي و هي مستمرة. وما يعاش حاليًا مع كورونا  في العالم و المنطقة يجسد أوهن حالات النظام المهيمن العالمي  وبالأحرى يمثل الشرق الأوسط الحلقة الاضعف  للنظام المهيمن. وقد حاولت تثبت دعامتها في المنطقة لكنها لم تؤد دورًا أكثر من تجذير الفوضى.
أما بالنسبة للمتواطئين مع النظام العالمي المهيمن و  والمطليين بالاسلام، الرديكاليون منهم والمعتدلون فكأنهم توابل لوضع الفوضى الجديد ولا أفاق لديهم للتحول إلى نظام وبنية جديدة .
وبالرغم من عيش الفوضى العارمة وحالة الغليان  إلا أنه من الصعب القول أن إنطلاقات ناحجة دخلت حيز التنفيذ  وربما يكون احد الأحتمالات جمعية شرقية_ غربية . فلا الشرق قادر على إحياء مدنيته القديمة  ولايمكن الحديث عن قيام الغرب بحقن حداثته من جانب واحد أمر ممكن. أما خاصية الجمعية التي ستتكون فستحددها مهارة البنى العلمية والحركات التنظيمية في صياغة الردود للقضايا الأجتماعية.
أما قيام الأطراف بإنطلاقتها بإبتكارها وتكرار بعضها فهو اضعف الاحتمالات. وهناك صعوبة في تحقيق أنطلاقات جديدة  بمنطق وإستشراقية وذهنية تقليد الأخريين والعلم الغربي المسيطَرة عليه  لخدمة الهيمنة . في حين ان علم الطبيعة الإجتماعية للشرق تنتظر روادها. والإنطلاقة المأمولة فيمكن تحقيقها بإنتاج  هذا العلم وتنظيمه ذاته وبدئه بالحركة وتأمين مجتمعه وحياته الحرة .