الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد اليمني يكتب: أنا متوقف

صدى البلد

أنا متوقف .. كلمة ما عدنا نسمعها إلا في أروقة العلوم الدينية فقط .. ومعناها: أنا متوقف عن الكلام في هذا الموضوع، أو الخوض فيه.

لقد فتح الإغتراب في وطننا العربي أبوابا كان غلقها هو الأسلم، فقط أطلق الألسنة الحبيسة التى لا تُخبر إلا عن فراغ الأوعية، والتى ما كان لها أن تنطق.

لقد صنعت وسائل التواصل الاجتماعي منابر لكل إنسان بعدما كان المنبر لا يعلوه إلا العلماء في كل مجال، ولا أعنى بالمنبر منبر الخطابة فى المساجد، ولكنى أعنى به كل منصة يٌسمع لها، فالذي يتحدث فى علم النفس -مثلا- على منصة من منصات التواصل الإجتماعى هو فى حقيقته يعتلى منبر عالم فى صنعته، وهكذا.

لو عدنا إلى أصول الأدب في العلم، لوجدنا أن الأصل فى العالم والمتعلم هو السكوت، ثم السكوت، ثم الكلام للعلماء، أما ما نراه الآن فهو الكلام ثم الكلام ثم الكلام ولا أحد يتوقف عن الكلام، لا المتعلم يتوقف عن الكلام ولا أشباه العلماء يكفون عن المناطحة.

دائما ما نقرأ في كتب العلماء كلمة لقد توقف فلان، ومعناها أنه لا يملك من العلم ما يجعله يتكلم، أو لا يملك من اليقين ما يجعله يختار بين أمرين، أو يخشى ارتكاب محظور في الخوض في أمر ما، ولنضرب أمثلة لذلك:-

-       كان العلماء يتوقفون عن تفسير كثير من آيات القرأن الكريم خوفًا من الخوض في آيات الصفات أو غيرها، وكانوا يقولون أن تفسيرها هو قراءتها، أى لا كلام فيها سوي قراءتها فقط.

-        علمنا سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حديث أهل الكتاب فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنَا}" الآيَةَ. (الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري). وهذا فى حقيقته توقف عن الخوض في الحديث في شيءضرره أكبر من نفعه، والتوقف عن الخوض فيه يقينا من الوقوع في زلات كثيرة لا فائدة من البحث فيها خصوصًا أن البديل موجود. وللأسف ما يحدث ونراه هو عكس ذلك، فكثيرًا ما نري من لا علم له يخوض في تفسيرات ومقارنات في الكتب السماوية.

-       من الوصايا التى تعلمها الأولون: إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة (مكارم الأخلاق).

-       قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: " من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" وفي ذلك تنبية لكل من يخوض في الأحاديث النبوية الشريفة ويقيسها بعقله، ويأخذ منها ما يتوافق مع فكره المحدود ويترك مالا يفهمه، أو ما يظنه خطأ. وهؤلاء أكثرهم من أصحاب التيار " التنويري " وهم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم، وهم في واقع الأمر لم يأتوا بجديد، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم.

إن التوقف يعتبرا فقهًا منسيًا لابد من العودة إليه، ولا أعتقد من وجهة نظري المحدودة أن الوعظ قد يكون علاجًا شافيًا في عمومه بعدما استشري الداء فى جسد الأمة ، ولكنه قد يكون علاجًا للبعض فقط، ومسكنا فقط للبعض الآخر، أما العموم فعلاجهم لابد أن يكون تحصينًا لا علاجًا، والتحصين هذا هو البدء في تعليم النشئ الصغير أصول الدين، وآداب العلم قبل البدء في تدريس العلم.

 إننا نتفهم جيدًا أن الأخطاء لابد أن تحدث، وأن الصواب هو تداركها، نوجه هذه الرسالة للمسئولين: لابد من مراعاة الترتيب فيما يتعاطاه النشئ الصغير، فمعرفة الدين أولا تقى الكثير والكثير حين الوقوع فى الزلات، وآداب العلم حين تٌلقن عمليًا من المعلمين لا نظريا فى الكتب فقط فإنها تؤسس لأجيال من العظماء.

نجاح الأمم يبدأ بأخلاقها ولا يبدأ بعلومها، وإلا لتحولت هذه العلوم إلى شرور وكوارث كما حدث في الغرب الذي يعاني منها حتى الآن، ذلك أنهم أخذوا العلوم إما سرقة أو بدون أخلاق، فنشأت أجيال الشر والحرب والقتل .. أما عندما كان العلم عند العرب كان علمًا مبنيًا على دين وخلق، فنشأت أجيال علماء العرب اللذين علموا الدنيا أصول كل العلوم، وأقول مثل ما قال العالم الفيزيائي الفرنسي "بيير كوري" الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء: " لو لم تُحرق كتب المسلمين لكُنّا اليوم نتجول بين المجرات!" هذه الكتب التي حرقها معدومى الأخلاق من الغرب.
أدعوا الله تعالى فى هذه الأيام المباركة أن يعيد للأمة مجدها وكرامتها، وأن يحفظها من أهل الشر ومن كيدهم وأن يرد كيدهم في نحورهم، إنه ولى ذلك والقادر عليه، أمين.