لطالما حظيت السياسة الخارجية الفرنسية بالتقدير والاحترام في العالم العربي، بفضل سجل حافل بالمواقف المعتدلة والمتسقة، والاعتقاد الراسخ بأن جميع الاختلافات يمكن تسويتها عن طريق الحوار، وأن استخدام القوة يجب أن يبقى الملاذ الأخير فقط.
وبحسب صحيفة "عرب نيوز" السعودية الصادرة بالإنجليزية، لم ينحرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كثيرًا عن هذا الخط المميز للسياسة الفرنسية، وفي حين يستحق ماكرون الثناء على اهتمامه الحقيقي وقراره السريع بمساعدة لبنان في أحلك أوقاته بعد انفجار مرفأ بيروت، يبدو أنه تلقى معلومات خاطئة أو لم يوفق في قراءة المشهد في لبنان قراءة دقيقة وسليمة.
اقرأ أيضًا | لا شيكات على بياض| ماكرون: هذا ما اتفقنا عليه مع مسئولي لبنان.. وإما الالتزام وإما العقوبات
وأوضحت الصحيفة أن ماكرون أدلى بتصريحات حول حزب الله الموالي لإيران، خلال زيارته الأخير إلى لبنان التي ختمها صباح اليوم، قال فيها إن "حزب الله يمثل جزءًا من الشعب اللبناني وهو حزب منتخب".
وأضاف ماكرون: "اليوم هناك شراكة بين حزب الله وبين عدة أطراف أخرى، وإذا كنا لا نريد أن ينحدر لبنان إلى نموذج يسود فيه الإرهاب على حساب الأمور الأخرى، فعلينا توعية حزب الله والجهات الأخرى بمسئولياتهم".
وتابعت الصحيفة أن مثل هذه التصريحات والمواقف غير المنطقية، بما في ذلك الدعم الفرنسي للاتفاق النووي الإيراني، تدفع المرء إلى التساؤل عما إذا كان مستشارو ماكرون لشئون الشرق الأوسط هم الذين يحتاجون إلى التوعية بشأن تاريخ المنطقة وحقائقها.
وقال ماكرون " لا تطلبوا من فرنسا أن تشن حربًا على قوة سياسية لبنانية. سيكون ذلك عبثيًا ومجنونًا"، وهو بالطبع على حق، فلا أحد يتوقع من فرنسا - أو أي دولة أخرى - أن تنزل جنودها على الأرض اللبنانية، أو تشن حربًا لا تستطيع الانتصار فيها دون المزيد من التدمير لبلد على شفا الانهيار.
لكن ما يتطلع إليه اللبنانيون العاديون ليس الحرب، وإنما الإصلاح الشامل للنظام السياسي بأكمله، وهذا يقتضي "التخلص من القديم"، بمن في ذلك نبيه بري رئيس مجلس النواب منذ عام 1992، والرئيس ميشال عون الذي تحالف مع حزب الله لضمان الفوز بالرئاسة، ويقتضي قبل كل شيء التخلص من حزب الله نفسه.
لقد وصف ماكرون نفسه في خطابه الأخير بأنه "عملي وبراجماتي"، ولا مشكلة في ذلك، لكن إذا كانت إزاحة الطبقة السياسية الحالية بأكملها مطلبًا غير واقعي، فإن أضعف الإيمان هو مطالبة حزب الله علنًا بالتخلي عن سلاحه وحل جناحه الإرهابي، أما توقع تصديق اللبنانيين لأي تعهد قدمه أي سياسي إلى ماكرون بينما لا يزال لحزب الله اليد العليا (والمسلحة) فهو توقع ينطوي على سذاجة.
وبالنسبة لضمانات التغيير والإصلاح التي حاول ماكرون تسويقها، فيبدو أنه يعتقد أن حجب المساعدات المقدمة للبنان في مؤتمر المانحين بباريس عام 2018 سيكون كافيًا لردع السياسيين، على أن ذلك سيكون عقابًا للشعب اللبناني وليس للسياسيين.
وختمت الصحيفة بالقول إنه كان من الأجدى أن يلوح ماكرون بعقوبات على طبقة الأثرياء الذين سئم الشعب اللبناني من رؤيتهم يفلتون من العقاب مرارًا وتكرارًا، لكن الرئيس الفرنسي اختلط عليه الأمر وأساء توزيع العصا والجزرة.