الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمل مصطفى تكتب: وإنك لعلى خلق عظيم

صدى البلد


إن الأخلاق الحسنة هو أعظم ما تعتز به الأمم وتمتازعن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها ، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق .. ونحن جميعا نتسائل لماذا ساءتْ أحوال الناس، واشتدَّتْ عليهم المِحن والابتلاءات؟
  ان الأزمة الأخلاقية نتجت عندما اصبح الناس لا يخافون الله ولا يستحيون منه، واستطاعوا أن يَخدَعوا الناس ويتلاعَبون بهم بكلِّ سُهولة ، ممَّا شجَّعهم على ممارسةِ المزيد مِن أصناف الأخلاق السيِّئة ، وهم يظنُّون أنهم يحقِّقون إنجازاتٍ كبيرة ، يستحقُّون الاحترام والتقدير عليها، خاصَّة في ظل سكوت الصالحين، وتشجيع المنتفِعين.
وسبب الأسباب في ذلك جهلُ الأمة بدِينها ، الناشئ عن غيابِ أو تغييب دَور العلماء بقصْد أو بغير قصْد عن توجيه الأمَّة،  فاصبح الجهل بأصول الدين وفى المعاملات بين الناس السبب الرئيسيى فى تردى الاخلاق فى المجتمع..
وسوف نستعرض بعض المظاهر التى يعانى منها المجتمع والتى نعانى منها جميعا ونشتكى ان الحال تغير والناس أصبحوا غير الناس الأخلاق تبدلت بهم وتحولنا الى اغراب نعيش تحت سماء واحدة وفى وطن واحد ولكننا جميعا نشتكى من سوء المعاملات التى منها: 
انتشار ظاهرة الكذِب وغياب الصِّدق في الحديث إلاَّ عند القليل ممَّن رحِم الله، حيث أصبح كثيرٌ من الناس يزيِّنون الكذب، ويلوّنونه، تارةً بالأبيض والأسود، وهو كله كذِب في كذب، أو خِداع في خداع، يُبغِضه الله ولا يحبُّه، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾..  
وغياب الوفاء بالوعود والعهود، وقلَّة الوفاء بالمواثيق والعقود ،وظهور ما يُسمَّى باللف والدوران، وبعضهم يُسمِّيه(شطارة  وذكاءً)، وهو في الحقيقة حرامٌ من محرمات الله، ويُبغضه الله ولا يحبه. والله تعالى يقول: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ ، ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ ، ويقول: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ﴾ صدق الله العظيم..
انتشار عقوق الآباء والأمهات نرى كثيرٌ من الناس فرَّطوا في هذا الجانب إلى درجة كبيرة، حتى سمعتُ أنَّ بعض الناس لا يزور والديه إلاَّ كل شهر أو أسبوع، زيارةً عابرة، وبعضهم يسبُّ أباه وأمَّه، وبعضهم يضربهما - والعياذ بالله! والله تعالى يقول: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾
وكذلك انتشار الحسَد والحِقد والغِل بيْن المسلمين فلا تجد أحدًا يفرح لنِعمة أخيه ويبارك له مِن قلْبه، بل تجد أكثرَهم يبارك بلسانه، وقلبُه مليءٌ بالغيظ على نِعمة الله التي أنعمها على عبده ، وبعضُهم وهم كثير لا كثَّرهم الله يتمنَّى زوال النِّعمة عن إخوانه ، والرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ولا يجتمعان في قلْبِ عبدٍ الإيمانُ والحسد))..
ونلاحظ جميعا انتشار أكْل أموال الناس بالباطل عن طريق الرِّشوة واغتِصاب الحقوق، والسطو على أموال المساكين والأيتام والضعفاء، ربَّما عن طريق السَّرِقة أو الاحتيال، أو باتباع كلِّ وسيلة حرام تؤدِّي إلى ذلك.. والله تعالى يقول: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)..
واصبح التعالى و الكِبر والغرورمن سمات الناس والمجتمع فالكِبر بلاءٌ وشر، والتواضُع نِعمة وخير، وهو خُلُق الأنبياء والصالحين، والتكبُّر يؤدِّي إلى الافتخار بالنفْس الأمَّارة بالسوء واحتقار الآخَرين، والكِبر يُغضِب الله ، لأنَّه هو وحْده الكبير المتكبِّر سبحانه وتعالى ، ولم يأذنْ لأحدٍ مِن عباده بالتكبُّر على عباده بالباطل.. قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)..
اما عن غياب خُلُق التراحُم بين المسلمين فترَى الزعماءَ لا يرحمون شعوبهم، وأكثر الرِّجال لا يرْحمون نِساءَهم ولا أبناءَهم، والمديرون وأصحاب الأعمال لا يَرْحمون عمَّالَهم وموظَّفيهم، والأطبَّاء اليوم لا يرْحمون مرضاهم، والمدرِّسون اليوم لا يَرحمون طلاَّبَهم، والجيران لا يَرحمون جيرانهم، والتجار لا يرحمون زبائِنَهم وعملاءَهم، والموظَّفون لا يرحمون مراجعيهم فيعقدون قضاياهم ومعاملاتهم، إلا مَن رحِم الله، وقليل هم و السبب في كلِّ ذلك أنَّه قد اهتزَّ في القلوب خُلُق عظيم ، إنَّه خُلق الرحمة، والله تعالى يقول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)..
ولكن ما الحل فعندما ينتشر الكذب والخداع والكبر وتنتزع الرحمة من القلوب لبعضنا البعض هل فى هذه الحالة ننتمى للإنسانية بشىء ؟ هل ننتمى الى الرسالات السماوية التى تحث على مكارم الأخلاق والفضيلة بشىء؟  هل نقتدى بمعلمنا وحبيبنا وشفيعنا ورسولنا الكريم الذى قال الله تعالى فيه  (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ) ، ولقد جاءت هذه الآية تصف أخلاق النبي عليه السلام التي ظهرت على أحواله وسلوكيّاته، فجمع في نفسه من كلّ فضيلة وخصلة جميلة، فقد كان عليه السلام رفيقًا رحيمًا بالناس، وليّن الجانب، وموفور العقل، وشديد الحياء، وكثير العبادة، شجاعًا، وصبورًا، وذا مروءة، كريمًا سخيًا ، وكان عليه الصلاة والسلام خير الناس لأهله، حسن المعشر لأزواجه، يكرمهنّ ويحسن إليهنّ، ويتلطف بهنّ، ويعين أهله في عمل المنزل، ويكون في حاجتهم. بشوش الوجه مبتسما يسطع النور من وجهه كقمر يتلألأ ليلة البدروهو الرحمة المهداة للعالمين..
إذا أردْنا أن يغيِّر الله حالنا إلى أحسن حال علينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا إلى ما يُرضي الله، ونغيِّر أبناءَنا إلى ما يُرضي الله، ونشيع الأخلاقَ الحَسَنة بيننا وفي أُسَرنا وأعمالنا، ومدارسنا وجامعاتنا، حتى يغيِّر الله حالَنا إلى أحسنِ حال، ولا بدَّ مِن ابتكار كل الوسائل واتباع كلِّ سبيل يؤدِّي إلى تغييرالأخلاق السيئة إلى أخلاقٍ سليمة، ومهما كانتِ الخسائر، فإنَّ المكاسب والفوائد لا تُقارن بثمن...
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

-