الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِين


بدأ الوجود الإنساني على الأرض برجل وامرأة يؤمنان بالله هما آدم وزوجه، ثم تكونت عائلات من أولادهما، وتطور الأمر بوجود أول مجتمع والذي كثرت أعداده وانتشروا في الأرض، ومع الزمن اختلط الإيمان بالله بتشريعات ابتدعها البشر وتمسكوا بها على أنها من الدين: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يونس 19.


وكلما ابتعد الناس عن الدين بعث تعالى الأنبياء والرسل ليعيدوا الناس لعبادة الله وصحيح الدين: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) البقرة 213. 
ولكن أغلب الناس كانوا لا يستجيبون لدعوة أي رسول ويقولون عليه إنه ساحر أو مجنون: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات 52.


ولذلك اقتصر الإيمان بالدعوة عادة على قلة من الضعفاء، أما باقي الناس فلن يؤمنوا مهما بقى الرسول بينهم: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) الأعراف 75-76.


وفي النهاية يهلكهم تعالى وينجي الرسول والذين آمنوا معه: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِين) يونس 73.


ذلك ما حدث للأمم السابقة، ظل النبي نوح عليه السلام ينصح قومه 950 سنة بلا فائدة حتى دعا عليهم فأغرقهم الله: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ) الأعراف 62، وظل النبي صالح عليه السلام ينصح قومه بلا فائدة حتى أهلكهم الله: (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) الأعراف 79، ومثلهما النبي شعيب عليه السلام ظل ينصح قومه فرفضوا النصيحة فأهلكهم الله: (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) الأعراف 93.


وكل الأمم السابقة كانت مواقفهم من دعوة الرسل ثابتة وكأنما أوصى بعضهم بعضًا بهذا الفعل: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) الذاريات 53، وبعد نجاة المؤمنين القلة يتحول أبناؤهم عن تشريعات الدين مع مرور الزمن، فيرسل تعالى رسولًا من بينهم يدعوهم للرجوع لدين الله من جديد.


ومن أسباب تحول الناس عن الدين ورفضه، أولًا عدم الإيمان بالغيب والحياة بعد الموت: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ. قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) المؤمنون 81-83.


وثانيًا عدم الإيمان بقدرة الرسل على تلقي الوحي: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) المؤمنون 38.


وثالثًا معارضة الناس للتغيير: (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) هود 53.


ورابعًا التمسك بفكر الآباء والسيادة في المكانة الاجتماعية: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) يونس 78.
وخامسًا اتباع الناس للزعماء الجبارين: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59.


وقد مرت بالمسلمين نفس مواقف الأمم السابقة من دين الله، فلم يؤمن بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام إلا قلة من الناس أغلبهم من الضعفاء والعبيد، وقد أهلك تعالى كبراء كفار قريش وقضى على سلطة القبائل باستسلام زعمائها لدولة الإسلام، لكن الكثيرين بدأوا التحول عن الدين بمجرد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ) آل عمران 144.


ويكون حال المسلمين من تفرق ومهانة هو نتيجة التهاون بحق دين الله، فقد نزل تعالى عليهم القرآن للعمل به ونشره بين الناس إلا أنهم هجروه عمليًا، مثلما نزل تعالى على اليهود التوراة ولكنهم لم يعملوا بها، لكن الفرق بين اليهود والمسلمين، أن اليهود هجروا التوراة حتى غابت آياتها عن الوجود واتبعوا تشريعات ابتدعوها، بينما تدارك المسلمون آيات القرآن ونسخوها وحفظوها، لكن الآيات وإن بقيت حية بينهم في المصاحف إلا أنهم هجروا العمل بها. 


وعندما بدأت كتابة المصاحف كانت نسخ القرآن المكتوبة محدودة العدد، وحسب الروايات أنه في أقصى تقدير تم كتابة سبعة مصاحف في زمن الخليفة عثمان بن عفان، والذي أرسل نسخة إلى والي كل من مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، وحفظ واحدة عنده بالمدينة، وتلك النسخ لم تكن متاحة لا للمسلمين الأوائل في أرض الجزيرة العربية، ولا للمسلمين الجدد من أهل البلاد التي تم فتحها مثل العراق والشام ومصر.


وتوالت الأجيال الجديدة من الناس وهى لا تعلم الكثير عن القرآن الكريم، فكان البديل لاستمرار حياتهم هو تشريعات بشرية تمثل خليط من الأديان والمعتقدات التي كان يدين بها الناس في البلاد التي فتحها المسلمون في القرن الأول الهجري، لأن الناس لما دخلوا الإسلام لم يعرفوا عنه سوى الشهادتين والعبادات وما تيسر من سور وآيات القرآن للقراءة في الصلاة، وأساسيات الأحكام، فحافظوا على معتقداتهم السابقة والتي لم يعرفوا لها بديلًا لجهلهم بتشريعات وأحكام القرآن بسبب عدم وجود نسخ منه معهم.


وجيلًا بعد جيل، ظن الناس أن هذا الخليط من المعتقدات هو من الدين، ومع الأيام تم توارث كل ذلك على أنه الإسلام، وتم تحوير وفهم معاني آيات القرآن الكريم بما يتوافق مع تلك المعتقدات التي ابتدعها البشر، مما أدى إلى عدم فهم القرآن وهجره.


لقد تعرض المسلمون للمحن والمصائب منذ قرون مثل ما تعرض له بنو إسرائيل، لأن الأمتين اشتركتا في أنهما قد اختارهما الله لحمل أمانة الرسالة، فاليهود نزل عليهم الوحي على شكل توراة مكتوبة، والمسلمون نزل عليهم الوحي على شكل قرآن مكتوب، وقد أخفق المسلمون كما أخفق اليهود في حمل الأمانة، فأصابهم ما أصاب اليهود من تفرقة ومهانة، وما حل بهم من المصائب والمآسي، وسيبقى هذا حال المسلمين ما لم يعودوا لشرع الله وفهم صحيح أحكامه والعمل بها كما جاءت في القرآن الكريم.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط