الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة يوضح الفرق بين التقويم الشمسي والقمري

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف "سألني سائل قال إن المسلمين يتمسكون بالتقويم القمري وينسبونه إلى هجرة المصطفى ﷺ ، والقمر له دورة في كل شهر حول الأرض، وسنته وشهوره تمرُّ على الصيف والشتاء، والله سبحانه وتعالى جعل الزرع والضرع متصلًا بالصيف والشتاء، وليس متصلًا بالقمر ودورته، فإذا نحن سرنا على التقويم القمري الهجري اختلَّ شأنُ النظام والمعاش ولذلك لا بد أن نسير على التقويم الشمسي؛ لأنه هو الذي ينضبط مع الصيف والشتاء، ومع الربيع والخريف، ومع خروج الزرع وأحوال الميلاد والضرع عند الحيوان. 

قلت له: إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الكون قصد منه ثلاثة مقاصد: أولها: العبادة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. 
وثانيها: العمارة، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي طلب منكم عمارها وثالثا: التزكية، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}. 


وأوضح جمعة عبر فيسبوك، أن "العبادة، العمارة، التزكية" والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقرأ كتابين، ووضع لنا الليل والنهار والشمس والقمر من أجل هذين الكتابين : "القرآن، والأكوان"، وهما قد صدرا من الرحمن، أما القرآن فقد صدر من عالم الأمر، وأما الأكوان فقد صدرت من عالم الخلق، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. وأمرنا أن نقرأ كتاب الكون، وأن نقرأ كتاب الوحي، وأنه لا تناقض بينهما، وربط كتاب الوحي بالليل، وبالقمر، وربط كتاب الكون بالنهار وبالشمس، وبالعمارة.

وأضاف: إذن؛ هما من عند الله، فالشمس والقمر من عند الله، والحساب بهما من عند الله، إلا أن الله سبحانه وتعالى ربط التنزلات والرحمات بالقرآن وبالليل، وربط العمارة والمعاش بالنهار، ولذا لما دخل المسلمون بلاد الشام ودخلوا بلاد مصر ؛وجدوا الشام يسيرون على التقويم الشمسي الرومي وشهورها: كانون الثاني، وشباط، وآذار، ونيسان .. إلى آخره، وهي يناير، فبراير، مارس، أبريل، إلى آخره فتركوها كما هي؛ لأن بذلك يتم المعاش، لم يحاربوها ولم يلغوها، وإنما ربطوا الزرع والضرع بها، وأقاموا شأن الأموال والخراج والعشور عليها، إلا أنهم بتعليم الله لهم أضافوا تقويم القمر. القمرُ يأتي بالليل، والليل هو محل نزول القرآن الكريم، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وهي نقالة في العشر الأواخر من رمضان على الصيف والشتاء في دورتهما؛ لأن الله ربط بالليل نزول القرآن فربط به ليلة القدر فيه.


يقول نبينا ﷺ: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول: هل من مستغر فأغفرُ له». هكذا بالرفع في رواية البخاري، «هل من سائل فأعطيه». وفي رواية غيره: «فأستغفرَ له»، «فأغفرَ له»، «فأعطيَه» بالنصب. ينزل ربنا في ثلث الليل الأخير؛ تنزلات الرحمات والسكينة إنما تنزل بالليل، {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} جعل لنا الله سبحانه وتعالى تقويمًا للمعاش والراحة، وجعل تقويمًا نصوم فيه "رمضان" لا نزحزحه عن وقته، ونقف على عرفة و«الحج عرفة». فتتنزل الملائكة في أوقات دلنا الله عليها، ومنها : "يوم الجمعة" وهو عيد في السماء، وهو تجمعٌ مبارك في الأرض، وفيه ساعة لا يصادقها عبد يصلي إلا استجاب الله له. 

وتابع:  ربنا دلنا على الوجه الآخر للكون، الناس تعرف الأكوان، والمسلمون يعرفون الأكوان والقرآن، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} توقيت السماء هكذا، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ولو إنا ثبتنا السنة على مقتضيات الشمس لضلَّ تلك الحرم {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ} التلاعب في هذا النظام مما يضيع تنزل الرحمات، واستجابة الدعاء، وأحوال الذكر مع الذاكرين، وعبادة الله في الأوقات المرضية عنها. {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.

واختتم الدكتور علي جمعة : نحن لا ننكر تقويمًا خلقه الله سبحانه وتعالى وسخَّر لنا من أجله الشمس؛ لأنه من آياته الليل والنهار، فهى من آيات الله، والشمس والقمر هما آيتان من آيات الله. نظام التقويم الشمسي عليه المعاش والارتياش، ونظام التقويم القمري عليه معالم مراد الله سبحانه وتعالى من عباده في عبادته، يساعدنا ويبيِّن لنا ويرشدنا إلى أحسن الأوقات وأبركها، ولذلك أخذنا بالأمرين معًا، إن هذا الدين عظيمٌ، وإن فضل الله سبحانه وتعالى علينا ومنَّته لا تعد ولا تحصى، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا.