الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل الإمام الشاطبي كان صحفيا؟ توضيح للهجمة على الدكتور علي جمعة

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

علق الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، على الهجمة الموجهة للدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بعد تصريحاته مؤخرا بأن الإمام الشاطبي كان صحفي؟ 

ونشر مجدي عاشور، عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، مقالا يسرد فيه رأي الدكتور علي جمعة، من الإمام الشاطبي وموقفه من كتبه ومؤلفاته، وطريقة شرحه.

وقال مجدي عاشور في المقال، إنه كان شاهد عيان على كلام الدكتور علي جمعة عن الإمام الشاطبي رضي الله عنهما : منوها أن رسالة الماجستير الخاصة به كانت عن : ( الثابت والمتغير عند الإمام الشاطبي - دراسة أصولية مقاصدية تطبيقية ) وكانت عمدة الدراسة عن كتابيه : ( الموافقات والاعتصام ) وبقية مؤلفاته لتتمة موضوع البحث.

الإمام الشاطبي صحفي


وذكر أن مقولة الشاطبي كالصحفي التي قالها الشيخ في بعض المواطن، قد فهمت منه أنه يقصد بذلك في صياغة العبارات السهلة التي لم يعتد عليها الأصوليون في زمانه، وليس تنقيصًا من علم الشاطبي أو كتبه، أو أنه لم يأخذ العلم عن الأشياخ - كما نطلقها الآن على من تصدر ولم يجلس إلى الشيوخ - فهو له أشياخ معتبرون كما هو معروف لكل دارس ، ويعرف ذلك من قرأ سيرته ووقف على بعض كتبه ، ومنها ما جُمِعَ كالإفادات والإنشادات وكثرة ذكره لأشياخه فيه، ولا ننكر اعتبار المالكية وغيرهم للإمام الشاطبي .. واعتناءهم بكتبه خاصة أحبابنا في المغرب العربي.
 

وتابع: والشاهد هنا أنني قرأت معظم كتاب الموافقات ، خاصة الجزء المَعْنِيَّ بالمقاصد .. على يد مولانا الشيخ علي جمعة في بيته العامر بالدقي .. ووجهني فيه كثيرا .. وكانت الاستفسارات والمناقشات زاخرة بالفوائد من قِبَل شيخنا .. وبطبيعة مرونة الشيخ علي مع علمه الأصيل ونقده البصير كان يسمع رأي الفقير في بعض المسائل .. ثم يبين بالموافقة عليه أو بالنقد العلمي المتين .. ولم أرَ من فضيلته إلا أدب تعامل العلماء مع العلماء الذين لهم قَدَم صدق وسبْق في العلوم الشرعية .
ثانيًا : كان فضيلة مولانا من ضمن لجنة المناقشة التي منحتني درجة الماجستير .. وظهر من مناقشته احترامه وتوقيره للإمام الشاطبي .. حتى إنه وقف عند فقرة صعبة  القراءة والفهم لبادي الرأي .. وقال لي مداعبًا وملاطِفًا كعادته العالية ، في سؤال يشبه سؤال التعيين المعهود في الامتحانات الشفوية ، خاصة عند علماء الأزهر الأكابر  ، قال : لو قرأت هذه الفقرة قراءة صحيحة سأُنْهِي مناقشتي لك ؟ وكان هذا بعد مرور وقت قليل من المناقشة . وقد سدد الله القراءة والفهم بفضله .. ومع ذلك أكمل الشيخ المناقشة ليكمل الأمانة.


ولكن الشاهد أنه وقف عند عباراته تلك كما كان يقف معنا عند عبارات الأكابر من الأئمة ، مثل : الإمام الشافعي وإمام الحرمين والغزالي والرازي والبيضاوي وابن الحاجب والقرافي وابن دقيق العيد والرملي وابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي وغيرهم .. وفي هذا وغيره علامة واضحة على تقدير الشيخ لما ورد في كلام الشاطبي رحمه الله تعالى .


ثالثًا : كنتُ قد صنعت جدولًا أبين فيه تقسيمات الكليات الشرعية الخمس ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال ) وتسكينها تحت المقاصد الشرعية ( الضرورية والحاجية والتحسينية ) ، ومن حيث كونها أصلًا أو مُكَمِّلًا ، وكليًّا أو جزئيًّا .. وغير ذلك .. بحيث يسهل على الفقيه المتمرس الترجيح بين المسائل التي لم يَرِد فيها نَصٌّ أو إجماع أو قياس.


والشاهد أن الدكتور علي جمعة،عندما راق له هذا الجدول .. قال : لو أتممته وفعلتَه - وهذا من حسن ظن الشيخ وتنشيطه للفقير ؛ لأن الأمر يحتاج إلى جماعة علمية - لكنتَ أنت الحلقة الثالثة في التطبيقات المباشرة للمقاصد .. بعد حجة الإسلام الغزالي والإمام الشاطبي رضي الله عنهما .. فجعل الإمام الشاطبي الحلقة الثانية بعد الإمام الغزالي في هذا الشأن .

رابعًا : في مجالساتي بين يدي الشيخ للتعلم والتلقي .. كان يقول : كتاب الموافقات ليس للتدريس بعكس المختصر للبيضاوي والمنتهى لابن الحاجب وجمع الجوامع لابن السبكي وغيرهم .. لأن كتب هؤلاء كالمتون ؛ بل هي متون وقد شرحت كثيرا .. وأوضح لي أن كلامه ذلك من حيث تكوين الملكة عند الطالب والباحث والفقيه ، لأننا نحتاج إلى علوم الآلة والعلوم الشرعية عند إفهام كلامهم .. وهذا مراد في تكوين الشخصية العلمية الرصينة، أما الموافقات ففي معظمه عبارته سهلة المنال، يسيرة الفهم وإن كانت في تطبيقاتها تحتاج إلى ممارس للأصول والفقه واللغة.


وهذا ما جعل بعض التيارات المتشددة التي لا تميل لمنهج الأزهر الشريف .. عندما أرادت أن تبين للناس أن علم أصول الفقه ليس ببعيد عنها - ولعمري إنه لبعيد كل البعد عنها - حاولوا أن يقرروا على أتباعهم المتوسطين في العلم بزعمهم كتاب أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله تعالى .. وعوارض الأهلية وتقسيمات السادة الحنفية كانت عصية عليهم فتركوه .. وادَّعَوْا ما ليس حاصلًا بأنهم قرؤوه .. ويقررون لمن يرون منهم أنه قرب على الوصول ( الموافقات ) للشاطبي ؛ لأنهم ظنوا أنه سهل العبارة خاصة في مقدمات الكتاب .. وهي التي وقفوا عندها ولم يتجاوزوها.


والشاهد أنهم لم يحاولوا ذلك مع المقررات الأزهرية التي تربي الملكة وتحتاج إلى أدوات هم بمنأىً عنها كعلوم اللغة والبلاغة والمنطق وعلم الكلام، وعند هذه النقطة يتنزل كلام مولانا الشيخ علي جمعة، بأن الموافقات لا يصلح للتدريس الذي يبني الملَكَة، بل يقرؤه الفقيه بعد ذلك ليأخذ بعض أصول مسائله التي صدَّر بها موضوعاته .. خاصة في جزء المقاصد من الموافقات . 
 

وهذا بعينه ما ينطبق على كلام شيخنا المحدث الأصولي المتفنن في علوم الشريعة السيد عبد الله بن الصديق الغماري رضي الله عنه .. في كلامه عن الموافقات في ثنايا كتابه " الرد المحكم المتين " مع شهادته بعلو كعبه في شرحه لألفية ابن مالك ، وهو بها جدير .


سادسًا : يظهر لمن تمرس في كتب الشاطبي أن : ( شاطبي الموافقات غير شاطبي الاعتصام ) ليس بمعنى أنهما لشيخين مختلفين .. لا لا .. ولكن في الموافقات قد بيَّن وشرح وأصَّل وأطال النَّفَس، وهو ما لم يفعله في الاعتصام، وقد اعتذر له بعض العلماء بأنه لم يراجعه بل وجد الكتاب كمسوَّدة.
 

واختتم مقاله، بأن الإمام الشاطبي ليس في تدقيقاته الأصولية من حيث العبارة والتقسيم كالأئمة الذين دُرِّست كتبهم، ممن ذكرناهم، ورضي الله عن جميع من ذكرنا ونفعنا بهم في الدارين.