الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين الشال تكتب: «الناجي الوحيد».. بين ذكاء المسوق وغفلة المستهلك

صدى البلد

هناك مثل صيني يقول  " لا تصدق كل ما تسمع وصدق نصف ما ترى واترك النصف الأخر لعقلك "  قبل أيام حبس الملايين أنفاسهم وهم يتابعون مقاطع فيديو بثها  شخص إسباني  يدعى خافيير  أثناء   تجوله في  مدينة مدريد  وهي فارغة تماما  من البشر مدعيا أنه استفاق من غيبوبة فوجد نفسه يعيش بمفرده في عام 2027 وأطلق على نفسه لقب " الناجي الوحيد"  .
 
 
ثم ما لبثت تلك الدهشة  أن تحولت إلى خوف وترقب، وخفقت قلوب البعض  رعبا حينما  قام  الشاب بتنفيذ جميع طلبات المتابعين  بالذهاب إلى أماكن محددة قاموا بتسميتها له وهو ما زاد القصة غموضا، هذا اللغز لم يسمر طويلا حيث كُشف أن تلك المشاهد  ما هي إلا عرض  تشويقي ودعاية لمسلسل يحمل نفس الاسم.
 
 الفكرة بدت جديدة ومشوقة  خاصة أنها توافقت مع الحالة النفسية السائدة لدى عامة الناس حاليا  فالقلق بشأن المستقبل وتوقع الأسوأ أصبح سمة عالمية في ظل ما يتعرض له  كوكب الأرض من كوارث وما يجتاح الدول  من أوبئة، فالجميع انخرط في تفسير الأمر وكأنه حقيقة وضجت المواقع الاخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي بالتحليلات، وهنا أريد  الإشارة إلى  نقطتين أولهما : إلى أي مدى يمكن استغلال علم النفس في مجال التسويق
 
 
السيرة الذاتية لخافيير دي سيلفا، توضح أن لديه شهادات أكاديمية ومهارات عملية كبيرة في مجالي الإعلام والاتصالات، فضلا عن كونه خبير دولي في  التسويق له محاضرات عديدة في الانتاج السمعي والبصري، ولا شك أنه نجح في الترويج لنفسه  كمسوق عالمي بقدر ما نجح في جذب اهتمام مئات الملايين حول العالم.
 
الأسلوب الذي اعتمد عليه خافيير ببساطة  هو نوع  من أنواع التسويق معروف بتسويق العصابات أو " الغوريلا " ابتكره الكاتب الأمريكي المتخصص في إدارة الأعمال جاي كونراد، وقدمه عام 1984  في  كتاب بعنوان " تسويق العصابات" أو " Guerrilla Marketing"  " كونراد "  استنبط  هذه الفكرة من  مصطلح Guerrilla Warfare أو حرب العصابات الذي اخترعه الإسبان في حرب الاستقلال عن فرنسا.

استخدام   تلك الاستراتيجية  الآن عكس براعة فائقة  في  فهم نفسية المشاهدين  فهناك حالة من الملل والضيق حاليا  بسبب كثرة  وتلاحق  الإعلانات وتشابهها، كما أثبت خافيير  مهارته كمسوق  في التحديد الدقيق للمدى الزمني الذي استغرقه بث مقاطع الفيديو  قبل الكشف  عن هدفها فبعض التجارب السابقة  شكلت اخفاقا كبيرا لشركات كبرى حاولت استخدام نفس النوع من التسويق  فكان أشبه بتناول جرعة زائدة من  دواء خاطئ.  
 
أما النقطة الثانية فهي  أنه لم يعد من الصواب الحكم على  صدق الأشياء  لمجرد مشاهدتنا لها ولعل بعضنا يذكر المقطع المصور الذي أذاعه التلفزيون البريطاني وظهرت  فيه الملكة إليزابيث  وهي ترقص احتفالا بالعام الجديد، بضع ثوان أثارت دهشة البريطانيين قبل أن تظهر الملكة في فيديو حقيقي وتطلق تحذيرا من خطورة استخدام التكنولوجيا المتقدمة والتي تساعد في انتشار معلومات مضللة وأخبار زائفة، والمعروفة باسم الـ Deepfake  وهو تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي  تستخدم لإنتاج مقاطع فيديو أو تعديل محتوها. 
 
هذا الأمر هو ما  استرعى اهتمام الحكومة والملكة في بريطانيا فخطورة استنساخ بعض الجهات لهذه الفكرة  واستخدامها  في التسويق لأشياء مزيفة والاستعانة   بتقنيات التصوير الحديثة وتكنولوجيا الاتصال الرقمية  كعوامل مساعدة  تكمن في صعوبة اكتشاف الأفراد العادين لذلك  ولابد لباقي  الدول حول العالم الانتباه وتحذير  المواطنين  حيث يتجه أغلب  مستخدمي  التطبيقات التكنولوجية إلى نقل وتداول المقاطع المصورة دون تدقيق أو إدراك سليم  لحقيقتها.