الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية السهرة.. لماذا حاول محمد فوزي سرقة «ساكن في حي السيدة» من عبدالمطلب؟

صدى البلد

لقبه جمهوره بـ"ملك المواويل"، حيث بلغ رصيده أكثر من ألف أغنية، عاشت واستمرت حتى الآن، بطل سهرة الليلة المطرب محمد عبد المطلب، الذي احتبس صوته، ولم يستطع الغناء في حفل بدار الأوبرا المصرية، وعاد حزينا إلى بيته في حي السيدة زينب بالقاهرة، وخضع للعلاج شهوراً عدة، وحين تماثل للشفاء، طلب من الشاعر زين العابدين فتح الله، أن يكتب أغنية «ساكن في حي السيدة»، وحققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وصارت من أشهر الأغنيات الشعبية في فترة الستينيات.

محمد عبد المطلب

بداية الحكاية.. أول مطرب شعبي في الأوبرا

بروفات حفل الأوبرا

بدأت حكاية "ساكن في حي السيدة" عندما تولى الأديب الكبير يحيى حقي إدارة الأوبرا المصرية، وأقام لأول مرة عروضاً لمختلف الفنون الشعبية، ومنها فرقة رضا الاستعراضية، وفرقة المطرب الشعبي "أبوذراع"، وخصصت حفلة للمطرب الشهير محمد عبدالمطلب الأحمر، ووقتها كان يسكن في حي السيدة زينب الشعبي في القاهرة، وذهب مع فرقته إلى موقع الحفل في حي العتبة وسط القاهرة.
كانت المرة الأولى التي يغني فيها مطرب شعبي في الأوبرا، وفوجئ عبدالمطلب بجمهور مختلف يرتدي الملابس الرسمية، وأغلبهم من الطبقة الراقية، ورغم حرارة التصفيق، أصابه الذهول للحظات، وبدأت الفرقة في عزف مقدمة أول أغنية، لكن صوته تحشرج، وتغلب عليه الارتباك، وسرت الهمهمات في القاعة، ولم يستطع الغناء، واضطرت إدارة الحفل إلى إغلاق الستار.
كاد عبدالمطلب يغشى عليه، وزملاؤه يحيطون به، وهو يحاول أن يتكلم دون فائدة، وخرجوا معه إلى أقرب طبيب، وطمأنه الأخير أنها صدمة مؤقتة، ونصحه بالامتناع عن الغناء حتى يتماثل للشفاء، وطالت فترة العلاج، والمطرب لا يكف عن القلق، وتناقلت المجلات الفنية خبر اعتزال المطرب الشعبي وحادثة الأوبرا، وكيف يعيش في مسكنه بالحي الشعبي، ويتوافد أصدقاؤه وجمهوره للاطمئنان عليه.

الصلاة في الحسين الهمته الحل

لم يجد عبدالمطلب مخرجاً من هذه المحنة، سوى الذهاب يومياً لصلاة الفجر والعشاء في مسجد الحسين، وظل يقطع المسافة كل يوم من بيته إلى المسجد، ويدعو الله أن يمن عليه بالشفاء، وذات يوم حدثت المعجزة، واسترد المطرب صوته، وتساقطت الدموع من عينيه، وغمره الفرح بقدرته على الكلام مُجدداً.

ميلاد الأغنية وبداية الشهرة

عبد المطلب والشاعر زين العابدين عبدالله

بدأ عبدالمطلب في التحضير لجولة فنية جديدة، ومواصلة الغناء في الإذاعة والحفلات العامة، وفي عام 1960 طلب من الشاعر زين العابدين فتح الله أن يكتب له أغنية عن حبيب يسكن في حي السيدة، ويذهب مرتين ليلتقي حبيبه في حي الحسين، وصاغ الشاعر كلمات الأغنية، وقال في مطلعها:

ساكن في حي السيدة
وحبيبي ساكن في الحسين
وعشان أنول كل الرضا
يوماتي أروح له مرتين
من السيدة لسيدنا الحسين
واستمع عبدالمطلب إلى الأغنية، واستشعر ميلاد أغنية متفردة، وأعجب بقدرة الشاعر على صياغتها في فضاء شعبي، وتصويره لمعاناة حبيب يسكن في حي السيدة، ويقطع المسافة الطويلة مرتين، لرؤية حبيبته التي تقطن في حي الحسين، وأنها تلامس الوجدان الشعبي، واتفقا على زيارة الموسيقار محمد فوزي، وإقناعه بتلحينها، وتحمس الأخير للأغنية، وطلب منهما أن يمهلاه عدة أيام، حتى يستقر على اللحن المناسب.

العصر الذهبي لملك المواويل

كادت الأغنية تضيع من عبدالمطلب، عندما أعجب بكلماتها المطرب محمد فوزي، وقام بتلحينها لنفسه، وقرَّر أن يستأذن من "طلب" في غنائها، وأسمعها لأفراد أسرته، لكنهم نصحوه بعدم غنائها، لأنها بعيدة عن شخصيته الفنية، وعليه أن يبحث عن مطرب شعبي ليغنيها، وأدرك فوزي أن "ساكن في حي السيدة" لا تليق سوى بصاحب فكرتها، واتصل بعبدالمطلب ليتفق معه على موعد البروفات، ونالت الأغنية شهرة واسعة، وظل الجمهور يطلب من عبدالمطلب غنائها.

وفي إحدى الحفلات، شارك ملك المواويل مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وكانت تجمعهما صداقة قوية، وغنى "ساكن في حي السيدة" وبعد انتهاء الحفل مازحه عبدالحليم قائلا: "إزاي تروح لحبيبك مرتين في اليوم، وأنت ساكن في حي السيدة وحبيبك في الحسين.. مشوار كبير عليك يا طلب.. كفاية مرة واحدة"، وتعالت ضحكاتهما، والتقطت العدسات صورة لمطربين من العصر الذهبي للغناء.