الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد مبادرة اعرف بلدك.. قطعة لحم سبب اختيار مكان القلعة وقصة السور العظيم

قلعة صلاح الدين الأيوبي
قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة - أرشيفية

في ساحة الحصن الحربي بجبل المقطم، استضافت قلعة صلاح الدين الأيوبي مبادرة "اعرف بلدك" تنظيم اتحاد طلاب جامعة حلوان، لتعريف الطلاب بمعالم مصر الأثرية والسياحية، من خلال تنظيم رحلة لطلاب كليات الجامعة إلي قلعة صلاح الدين الأيوبي.

 

ويرصد «صدى البلد» تاريخ إنشاء قلعة صلاح الدين وتطورها من حصن حربي إلى استغلالها لتحقيق أهداف أخرى.

 

قطعة لحم

بُنيت القلعة على نتوء صخري على ارتفاع 75 مترا، غرب جبل المقطم، وتقع في منتصف الطريق بين القاهرة والفسطاط، وبحسب ما ذكره المقريزي عنها في كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، فإن صلاح الدين اختار موقع القلعة بنفسه.

 

ولاختيار مكان القلعة قصة مثيرة، حيث استخدم 3 قطع من اللحم، وضع كل منها في 3 مواقع وكان موقع الرصد هو أكثر هذه المواقع التي بقى فيها اللحم أطول فترة ممكنة دون أن يفسد، وبهذا يكون قد جمع بين مكان القلعة الاستراتيجي والبيئي والصحي أيضا، وفقا لكتاب "أسوار وقلعة صلاح الدين".

 

واستغلال هذا الموقع لبناء القلعة لم يكن الأول، وكان موقع القلعة قبل بناءها متنزها، حيث شيد فيه حاتم بن أبي هرثمة قبة الهواء في الفترة من عامي 194 و 195 هجربا، واستعملها الولاة العباسيون للإقامة، ويقول بول كازانوفا في كتابه "تاريخ ووصف قلعة الجبل" ترجمة د. أحمد دراج، "يقع مكان قبة الهواء في المكان المعروف حاليا بمتحف الشرطة والقاعة الأشرفية".

 

وكانت تسمح قبة الهواء لمن يجلس بها بالاستمتاع بالمنظر العام المطل على نهر النيل والأهرامات وكان بها مرافق حال الصلاة، ولاحقا اهتمت الدولة الفاطمية بمكان القلعة وقبة الهواء نفسه وشيدت فيه 10 مساجد بقى منها مسجدان هما مسجد "سعد الدولة" ومسجد "قسطة".

قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة
قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة

 

السور العظيم

كانت الأسوار التاريخية التي بعضها ما زال باقيا هي الحيلة المتبعة لحماية القاهرة العاصمة المصرية بعد تأسيسها كحصن للحكام الفاطميين، وتم هدم السور وبناؤه مرة أخرى، ولكن في نهاية العصر الفاطمي ومع تولي صلاح الدين الأيوبي الوزارة الفاطمية رمم السور الفاطمي.

 

ومع قيام الدولة الأيوبية وخطتها لتحرير الأرض المحتلة، وضع صلاح الدين مخطط لتحصين القاهرة وضمت إقامة وسور جديد للفسطاط والقاهرة بأكملها، ولُقب هذا السور بـ «السور العظيم».

 

واستكمالا للخطة، أمر ببناء قلعة تتوسط السور العظيم، وقال عنه العماد الأصفهاني: "لما ملك السلطان صلاح الدين مصر، وآتاه الله على الأعداء لها النصر رأى أن مصر والقاهرة لكل واحدة منها سور لا يمنعها، ولا قوة لأهلها لتحميها، وأمر ببناء قلعة في الوسط عند مسجد سعد الدولة على جبل المقطم، فابتدأ من ظاهر القاهرة ببرج في المقسم".

 

وتابع: "وانتهى به إلى أعلى مصر ببروج وصلها بالبرج الأعظم، ووجدت في عهد السلطان ثبتا رفعه النواب، وتكمل فيه الحساب، وهو دائر البلدين مصر والقاهرة".

قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.jpg 1
قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.jpg 1

 

حصن حربي

وشملت خطة تحصين القاهرة والفسطاط، ضم أراضي مطلة على النهر غرب القاهرة، فظهور أراضي جديدة في غربي المدينة أثر على الوظيفة الدفاعية التي كانت تقوم بها، حيث اعتمد الفاطميين على طريقة دفاعية عن القاهرة تختلف عن طريقة صلاح الدين.

 

وقال المقدسي عن أهمية بناء القلعة أن الوصول إلى القاهرة لم يكن يتم إلا بعد المرور على القلعة، نظرا لكون القاهرة ممتدة بين الماء والجبل، والدخول إلى هذه المنطقة لان الأراضي كانت سهلية مما تطلبت وسيلة اخرى لحمايتها خاصة أن المدينة من جهة الشرق تميزت بوجود تلال المقطم التي تعد خط دفاعي.

 

كانت منطقة الفسطاط منطقة مثالية لاستقرار أي قوة عسكرية تستهدف دخول مصر، بعد تباعد الشاطئ عن القاهرة، وهذا ما جربه صلاح الدين بنفسه للتأكد من صحته.

قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.jpg 2
قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.jpg 2

 

قلعة جبلية

أما شكلها فجاء نتيجة تأثر صلاح الدين بالقلاع الجبلية في بلاد الشام والعراق، ومرت قلعة الجبل كما كانت تُلقب قديما بمرحلتين أساسيتين، الأولى كانت التأسيس على يد صلاح الدين وانتقال الكامل بن العادل إليها كمقر للحكم في عام 604 هجريا، وكانت القلعة عبارة عن حصن حربي ومقر للحكم.

 

وبدأت المرحلة الثانية من عصر العادل حتى نهاية عصر الناصر محمد بن قلاوون وتطورت فيها مقوماتها كمقر للحكم، وشهدت في فترة حكمه العديد من التحولات المثيرة، وبعض الإضافات والتعديلات والتجديدات استمرت حتى العصر العثماني، وكان أبرز هذه التغييرات هو التغيير المعماري الذي كان انعكاسا للوضع السياسي الجديد، من حصن حربي إلى قصر ملكي.

 

تحولات سياسية

بناء القلعة جاء بهدف سياسي باعتبارها حصن حربي، وهناك العديد من الدلالات السياسية أبرزها نص تأسيس القلعة:

( بسم الله الرحمن الرحيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم بعته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا 

أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة المجاورة للمحروسة، القاهرة بالعرمة التي جمعت نفعا وتحسينا وسعة على من التجى إلى ظل ملكه وتحصينا مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بن أيوب محي دولة أمير المؤمنين في نظر أخيه وولي عهده الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد خليل أمير المؤمنين على يد أمين مملكته ومعين دولته قراقوش بن عبدالله الملكي الناصري في سنة تسع وسبعين وخمس مائة).

 

وبعدها قام أخوه العادل بتولي مصر وسير قراقوش أمور الدولة، وبعد وفاة صلاح الدين بدأت المواجهات الإسلامية الصليبية بالأراضي المصرية نتيجة الخلافات الشديد بين أبناء بيت الأيوبي، بل استعان بعضهم بالصليبيين ضد بعضهم.

 

ووقفت الأعمال بالقلعة بعد وفاته بسبب الاضطراب السياسي، وتم استغلالها بطرق أخرى مثل النظر في مظالم الناس قبل تأسيس دار الوزارة فيما بعد، واستخدامها أيضا كدار ضيافة، للملوك والرسل في مصر.

 

وبرغم التعديلات التي أجراها السلطان الكامل بن العادل، إلا أنه استخدمها كمقر رئيسي لحكمه، وأقام فيها مع حريمه، ونقل إليها بيت المال واستغل جزء لبناء سجن جمع فيه بقايا الفاطميين، وكذلك كانت ساحة القلعة مكان لإقامة الافراح والاحتفال بالمناسبات العامة بحضور الملك والحاشية، مثل الأعياد وبداية شهر رمضان والمولد النبوي وشمل الاحتفال الغناء وحلقات الذكر وإعداد الطعام.