الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تلذذ بعذابه.. لماذا ارتضى القصبجي التنازل كملحن كوكب الشرق لعازف عود بفرقتها؟

صدى البلد

لا يذكر اسم محمد القصبجي إلا وتلتصق به جملة «الذي أحب أم كلثوم»، وكأن الكتابة عن هذا الرجل العظيم، لا تجوز سوى بالمرور من بوابة هذه المعلومة القابلة للتأويل.

في عام 1923 استمع محمد القصبجي إلى "أم كلثوم" وهي تنشد قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعجب بصوتها، وبعدها بعام لحن لها أغنية "حلف ما يكلمنيش"، ومن تلك اللحظة انشغل أكثر في التلحين الغنائي خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه مع أم كلثوم في منولوج "إن كنت أسامح وأنسى الأسية" عام 1928، وتمر اليوم ذكرى ميلاد القصبجي، الذي ولد في 15 أبريل عام 1892.

عشق القصبجي لكوكب الشرق

أحب القصبجي أم كلثوم، على الرغم من أن كل من كان حولها من شعراء وملحنين كان يحبها، ربما لأن فترة الأربعينيات والخمسينيات يمكن أن نصفها بـ"زمن الرومانسية"، زمن الحب الصامت، واللوعة المكتومة، والنيران التي تشتعل في الحشا فتخرج أشعارا وألحانا، وكما حرقت هذه النيران القصبجي، حرقت زكريا أحمد، وحرقت أحمد رامي.

خطابات لوعة ربما لم تصل إليها

كتب الملحن محمد القصبجي العديد من الخطابات لكوكب الشرق، ولا يمكن حسم الجدل حول وصول تلك الخطابات لها من عدمه.

خطاباته التي أرسلها لها خلال إحدى رحلات علاجها بالخارج، كشفت أنه كان يراسل نفسه، دون أدني اهتمام أو رد من الطرف الآخر، منها: "يا سومة هذا هو رابع خطاب أرسله إليك، فعسى أن تكون جميع خطاباتي تصلك بانتظام"، واستمر الرجل في الكتابة وإرسال الخطابات واحدا تلو الآخر، دون أن يكون متأكدا حتى إن كانت تلك الرسائل تصل أم لا.

وفي خطاب آخر، كتب جملة عشق صريحة: "فأنت عندي أغلى من نفسي التي بين جنبي، لا أحرمني الله منك مدى الحياة"، ثم فجأة - وكأنه انتبه - يعود بالحديث من الخاص إلى العام: "والله أسأل أن يبقيك لنا ذخرا وفخرا للشرق وللعالم أجمع يا سومة".

أم كلثوم لم تبادله الحب

لم تكن "الست" أم كلثوم أبدا طرفا بقصة حب محمد القصبجي، لم تحب أم كلثوم "قصب" ولا غيره، أحبت فنها وغناءها، وتفردها الذي صنعته بكل هؤلاء المبدعين الذين التفوا حولها، منبهرين بصوت لم يجود الزمن بمثله، وكاريزما تخضع أعتى الرجال، من أبسط رجل يستمع إليها في قريته عبر أثير الإذاعة، إلى ملك مصر والسودان، الذي واجه غضب نساء الأسرة - وما أدراك ما غضب النساء- عندما سلبت لبّه بحركة ذكية شهدها مسرح الأزبكية، بوصف حضوره المفاجئ لحفلها بـ"ليلة العيد"، ليمنحها دون تفكير لقب "صاحبة العصمة".

هل يقع اللوم على كوكب الشرق؟

لا لوم على أم كلثوم إن اهتمت بمحمد القصبجي واستفادت بألحانه المتيمزة التي قدمها لها في فترة مبكرة من مشوارها الفني، بداية من الطقاطيق الخفيفة "آل إيه حلف مايكلمنيش" 1924، مرورا بـ"لحد أمتى حتداري حبك"، و"ليلة العيد"، و"إن كنت أسامح"، وحتى أسطورته "رق الحبيب"، التي بلغ بها قمة فنية مثلت له لعنة وعقدة، ظل باقي حياته يحاول تجاوزها دون جدوى.

ولا لوم أيضا عليها إذ شعرت أن القصبجي، الذي أبدع أعذب الألحان لها ولغيرها، مثل "امتى هاتعرف" و"يا طيور" لأسمهان، و"قلبي دليلي" لليلى مراد"، وصل إلى محطته الإبداعية الأخيرة، وتجاوزه الزمن، وسبقه تلاميذه، هذا هو حال الدنيا.

قسوة أم كلثوم على «قصب»

يمكن لوم كوكب الشرق بقوة على رد فعلها العنيف، وطريقة تعاملها القاسية مع القصبجي، حيث لم تراع ما قدمه لها من إبداعات، فكيف يمكن لفنان أن يتخلص بدبلوماسية من ملحن قدم ألحانا للست منيرة المهدية، وصالح عبد الحي، ونجاة علي، وتتلمذ على يديه في عزف العود رياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش؟.

تلذذ بعذابه للبقاء الى جوارها

لم يكن القبول بهذا الوضع الغريب من ملحن كبير تنازلا من أجل لقمة العيش مثلا، أو من أجل مسئولية لم يمكنه التخلي عنها، إنها "المازوخية" في أوضح صورها، عاشها واستمتع بجلد الذات، وتجرع الألم بتلذذ.

حتى بعد الصلح الذي تم بينهما، ظل محمد القصبجي عازف عود في تخت السيدة أم كلثوم، يحضر البروفات للتدريب على الألحان التي يضعها تلامذته، حتى مات في مارس 1966 أثناء التدريب على لحن قصيدة "الأطلال"، الذي وضعه تلميذه رياض السنباطي، الذي أصبح ملحن القصائد المفضل لدى أم كلثوم.