الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د عبد الفتاح أحمد أبو كيلة يكتب: أحكام المرضى في رمضان

د عبد الفتاح أحمد
د عبد الفتاح أحمد أبو كيلة

من المعلوم شرعا؛ أن صوم رمضان يجب على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر على الصيام، ولا يسقط عنه إلا بعذر، ومن بين الأعذار التي نص عليها القرآن الكريم؛ المرض حيث قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر }. [ سورة البقرة من الآية 184]


والمريض العاجز عن صيام رمضان له حالتان: إما أن يرجى شفاؤه، وإما ألا يرجى شفاؤه، وتفصيل ذلك على النحو التالي: 
الحالة الأولى: المريض الذي يرجى شفاؤه: كالمريض بمرض عارض غير مزمن يرجى شفاؤه في أي وقت .
ومن أحكامه المتعلقة به ما يلي:


(1)  يبيت نية الصيام من الليل: فإن استطاع الصيام في النهار؛ صام، وإن لم يستطع؛ أفطر .
(2) لا فدية عليه، وإنما ينتظر حتى يشفى من مرضه، ثم يقضي ما عليه بعد رمضان بدون إخراج الفدية ؛ لقول الله –تعالى -:{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر }. [ سورة البقرة من الآية 184]
(3) إن استمر مرضه فلم يتمكن من قضاء الأيام التي لم يصمها إلى أن مات؛ فلا قضاء عليه، ولا فدية، ولا يلزم ورثته أن يصوموا عنه ولا أن يطعموا بلا خلاف عند الفقهاء؛ لأنه معذور شرعا، حيث لم يتمكن من القضاء، فإن تمكن من القضاء فلم يصم الأيام التي أفطرها من رمضان؛ فيجوز لورثته أن يطعموا عنه من تركته قبل تقسيمها عليهم عن كل يوم أفطره مسكينا، ويجوز لهم أن يصوموا عنه الأيام التي أفطرها كما ذهب لذلك الشافعية ومن وافقهم. 


الحالة الثانية: المريض الذي لا يرجى شفاؤه: كالمريض مرضا مزمنا بتشخيص من الأطباء الثقات لا يرجى شفاؤه ولا يستطيع معه الصوم أصلا. 


ومن أحكامه المتعلقة به ما يلي:
(1) لا يجب عليه تبيت نية الصيام من الليل.
(2) لا يجب عليه الصوم ولا القضاء، وإنما يخرج عن كل يوم فدية كما ذهب لذلك جمهور الفقهاء، وهي إطعام مسكين؛ لقوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [ سورة البقرة من الآية 184]، قال ابن عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- في تفسيره لهذه الآية:" لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "، خلافا لبعض الفقهاء والذين يرون استحباب الفدية وعدم وجوبها عن المريض الذي لا يرجى شفاؤه أصلا؛ لأن الآية ليست بمنسوخة بل محكمة، ولا يوجد  نص صريح في تحديد مقدار الفدية، وإنما هو محل خلاف بين الفقهاء، وما عليه الفتوى في مصر ما ذهب إليه المالكية والشافعية من أنه ربع صاع، أي: مد واحد عن كل يوم ، وهو ما يعادل نصف كيلو جرام من الأرز أو الدقيق تقريبا كحد أدنى مع جواز الزيادة عليه لمن أراد، والأولى والأفضل: إطعام المسكين إلى الإشباع من أوسط ما يطعم به المفطر نفسه.


(3) يجوز إخراج قيمة الفدية نقدا كما ذهب لذلك الحنفية، والحنابلة في رواية؛ نظرا لمصلحة الفقراء والمساكين.  
(4) يجوز له أن يعطي فدية الشهر كله لمسكينٍ واحد أو لبعض المساكين؛ لأن كل يومٍ عبادة مستقلة، كما ذهب لذلك الشافعية، والحنابلة .
(5) يجوز له إخراج الفدية عن الشهر كاملاً أول شهر رمضان، كما يجوز له تأخيرها إلى آخر الشهر، كما يرى الحنفية، أو يخرجها عن كل يوم بيومه، فتُدفع عن اليوم الحاضر بعد طلوع الفجر، ويجوز أن تُقدم على طلوع الفجر وتُخرج ليلاً، أو تُدفع في نهاية شهر رمضان، كما يرى الشافعية، ولا يجوز له بإجماع الفقهاء دفع الفدية قبل دخول شهر رمضان؛ لأن سبب وجوبها هو العجز عن الصوم بعد دخول الشهر، ومن ثَمَّ فلا يجوز دفعها قبله.
(6) يجوز له أن يصنع طعاماً يكفي عن ثلاثين يوماً، أو عدد الأيام التي أفطر فيها، ويدعو المساكين بعدده ويطعمهم، كما يرى الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية؛ لما روي عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- " أَنَّهُ ضَعُفَ عَنِ الصَّوْمِ عَامًا، فَصَنَعَ جَفْنَةً مِنْ ثَرِيدٍ، وَدَعَا ثَلاثِينَ مِسْكِينًا فَأَشْبَعَهُمْ".
(7) إذا عجز عن الإطعام لفقره؛ فلا شيء عليه ؛ لقول الله – تعالى -:{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا }. [ سورة البقرة من الآية 286]
(8) إذا مات بعد وجوب الفدية عليه وقبل التمكن من إخراجها؛ فيطعم عنه ورثته من تركته قبل تقسيمها عليهم عن كل يوم مسكينا بقدر الأيام التي أفطرها، أو يتبرعوا بإخراجها عنه إن لم تكن له تركة، أو يصوموا عنه بلا إلزام عليهم ولا وجوب، وإلا فلا شيء عليه ؛ لعجزه عنها؛ كما قال الله – تعالى- .
نسأل الله – تعالى- أن يمن بالشفاء العاجل على كل مريض، وأن يجعل صبره على مرضه في موازين حسناته يوم القيامة.