الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إمام الحرم المكي: المرأة العاقلة الرشيدة تحرص على أداء حقوق زوجها

خطيب الحرم المكي
خطيب الحرم المكي

قال الشيخ فيصل بن جميل الغزاوي خطيب الحرم المكي، إن النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله وأحسنهم عشرة لأزواجه وقد بين ذلك بقوله: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله).

خيركم خيركم لأهله

 ولفت خطيب الحرم المكي خلال خطبة الجمعة إلى أن الواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، قال جل وعلا: ﴿وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وذلك بأن يتعاونا على الخير ويكون كل واحد منهما ناصحا للآخر حريصًا على القيام بحقه في مودة ووئام، وبُعدٍ عن النزاع والخصام والتنابز والشتام، وجرح المشاعر وكسر الخواطر، ويكون ديدنَهما التصافي وحفظُ الجميل، والثناءُ على الفعل النبيل والاعترافُ بالخطأ والاعتذار، والتماسُ الأعذار.


وبين أن من وصاياه صلى الله عليه وسلم في حسن العشرة قوله: (ألا واسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْراً فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) فعلى كل زوج أن يتقي الله ربه في زوجته التي جعلها الله تحت ولايته وفي عصمته، وهذا يقتضي رعايتها وحفظها وصيانتها، فهو القائم على مصالحها كما قال تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ وهي قوامة إصلاح ورعاية وإدارة وتدبير، وليست قوامةَ تسلط وبغي وأذية وتنفير، كما يستوجب معاملتَها بالإحسان والرحمة والصفح والغفران، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر)، ولا يعني ذلك أن يطيعها في معصية ربه استرضاء لها.

 كما أن الله عز وجل أدب الزوج بألا تحمله كراهةُ زوجته على سوء العشرة قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. وعند نشوز المرأة ينبغي المعالجة بما يُصلح المسار ويُقوِّم الصلة بين الزوجين وَفق ما شرع الله.


ولفت خطيب الحرم المكي المرأة الشريفة البرة تراقب ربها وتحافظ على العشرة الزوجية؛ فامرأة نبي الله أيوب عليه السلام كانت زوجة صالحة صابرة تقية وفية، وقفت بجانبه في محنته حين مسه الضر وابتلي في ماله وولده وجسده وبقي في المحنة ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فلازمته تخدُمه وتواسيه ولم تهجرْه وتزهدْ فيه فكانت مثالا للنبل والوفاء والتضحية والعطاء.


كما بين خطيب الحرم المكي أن مراقبة هذه المرأةِ ربَّها وخشيتُها إياه دعاها إلى أن تصبر على فراق زوجها وألا تخونه، بل حافظت على شرفها ولم تهدم بنيان بيتها، كما أن المرأة العاقلة الرشيدة تحرص على أداء حقوق زوجها، فلما سئل صلى الله عليه وسلم عن خيرِ النِّساءِ؟ قالَ: (الَّتي تُطيعُ زوجَها إذا أمرَ، وتسرُّهُ إذا نظرَ، وتحفظُهُ في نفسِها ومالِهِ) وسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأة قائلا لها: أَذات زوج أنتِ؟ قالت نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلوه (أي لا أقصّر في حقه) إلا ما عجَزت عنه. قال: (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) أي هو سببٌ لدخولك الجنّة برضاه عنك، وسببٌ لدخولك النار بسخطه عليك، فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. كما أن طاعةَ الزوجة لزوجها تقوي المحبة القلبية بين الزوجين، وتحافظ على الحياة الزوجية من التصدُّع والانشقاق، قال ابن الجوزي رحمه الله: "وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك مَلالته، وبقي ذلك في نفسه".


وأكد خطيب الحرم المكي: إن من المخاطر التي تهدد بنيان الأسر المسلمة التأثرَ بمقاطع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي التي تحمل في ثناياها رسائل هدم للبيوت ودمار للقيم والمبادئ فالحذر الحذر من ذلك، كما أن من أخطر ما يفسد العلاقة الزوجية التخبيبَ وهو من كبائر الذنوب قال عليه الصلاة والسلام: (ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها). ألا فليتق الله أولئك الّذين يسعَون بالفتنة بين الأصفياء ويلتمسون العنت للبرآء؛ فكم من بيوت آمنة تفرق جمعها وتصدع بنيانها وكم من أسر متماسكة تشتت شملها وتقاطع أفرادها من جراء هذا الجرم العظيم والفعل الأثيم. وليحذر الزوجان ما يفسد العشرة بينهما وألا يكونا سمّاعَين لمن يريد الوقيعة بينهما من القرابة أو من غيرهم فإن المخببين جند لإبليس في مُهمته المتمثلة في إلقاء العداوة بين الزوجين، بتزهيد الزوج في امرأته بغير حق، بذكر مساوئها عنده وتحقيرها في عينه حتى ينقلب عليها بغضا وذما، وتزهيدِ المرأة في زوجها بغير حق، بذكر مساوئه عندها والقدح فيه وإيغار صدرها عليه؛ حتى تنفر منه وتؤذيَه.


وانظروا -رحمكم الله- الفرق بين عمل المخببين وعمل المصلحين الذين ينشدون أن تكون بيوت المسلمين هادئة مطمئنة مستقرة وصلةُ الزوجين قويةً متماسكة مستمرة، ويحرصون على بقاء أواصر الصلة بين الزوجين محكمة لا تنقطع لمجرد خلافات طارئة ولا تضعف لأسباب تافهة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على معالجة الخلافات الزوجية كما صنع مع ابنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنهما، بعد أن حصل بينهما شيء، وكان يشفع للإصلاح بين الزوجين كما شفع لزوج بريرة أن تراجعه.


وتابع: كم من بيت كاد أن يتهدّم بسبب خلاف يسير نشأ بين الزوجين وأوشك الزوج أن يوقع الطلاق فإذا بأحد المصلحين من مفاتيح الخير بكلمة طيبة ونصيحة غالية يصلح بينهما بفضل الله وتوفيقه؛ فهؤلاء المصلحون يؤرقهم ويقلقهم ما يرونه من تشتت الأسر وضياع الذرية فيعملون على الإصلاح بين المتقاطعين من أفراد الأسرة وإزالة الخلاف بينهم، وشعارهم: ﴿إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت﴾.