الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قرأت لك| "الطريق بين استمرارية السعي وحتمية الوصول" لـ أيمن حويرة

كتاب الطريق لأيمن
كتاب الطريق لأيمن حويرة

ما كل هذه الطاقة الإيجابية التي يبعثها كتاب "الطريق بين استمرارية السعي وحتمية الوصول" لـ "أيمن حويرة". ما كل هذا العبير المنثور، والألوان المبهجة، والأمل المنصور.

تقول الكاتبة سهام ذهني: "تختطفنا فصول الكتاب ونظن أنها تقوم بتسليمنا من فكرة إلى فكرة بنعومة الجلوس داخل قارب ينساب في بحيرة صافية تحيطها الأشجار الخضراء المتميزة بأن قطوفها دانية.

ومع القطوف الدانية التي تستدعيها ذاكرتي من القرآن الكريم أجد أن أحد الملامح الجديرة بالإشارة إليها في كتاب "الطريق" لأيمن حويرة أن الأمثلة فيه لتقريب الفكرة قد تنوعت بين غزوة مؤتة ومقتل الحسين من التاريخ الإسلامي، والثورة الفرنسية والحرب الأهلية الامريكية من التاريخ العالمي، ومسلسل من الدراما المصرية، ومباراة لكرة القدم بين مصر والبرازيل من الأحداث المحلية، والأسماء العربية على مطاعم إسلامية بها طعام حلال في أمريكا واوربا من الملامح المعاصرة التي لها مغزى، هذا التعامل مع التنوع المعرفي هو أمر جدير بالإشادة به.

"فاهم مش حافظ"

ومن الجدير بالإشادة به أيضا أن الثقافة الإسلامية عند الكاتب هي ثقافة من يفهم وليس من يكتفي بالحفظ، ثقافة من يتأمل وليس من يتعرف على الإسلام عبر التلقين ممن يهتمون بالحفظ والاكتفاء بالنقل، بدلا من دور الذي يستخدم النقل المناسب في المكان المناسب.

فاستدعاء الكاتب لقصة السيدة هاجر وسعيها سبعة أشواط بحثا عن الماء في الصحراء التي هي فيها وحيدة مع رضيعها إلى أن فجر الله بئر "زمزم"، وتحول سلوكها في السعي إلى منسك ديني عبر العصور هو استدعاء لكاتب يفهم وليس يحفظ.

أما حديثه عن يقين السيدة هاجر بأن الله لن يضيعها مثلما قالت لسيدنا إبراهيم قبل مغادرته فهو حسن الظن بالله الذي من الصعب أن يتحمل أحد مواصلة السعي بدونه.

فطوال الوقت هو يستدعي الأمور الدينية من منطلق الفهم وليس الحفظ مثلما فعل مع حكاية سيدنا موسى مع الخضر ومع قصة سيدنا يوسف.

والكاتب يتنقل بنا ما بين السيرة النبوية والقصص القرآني وبين أمريكا وإعلان الأستقلال والدستور وتأسيس الولايات المتحدة، وبين الدولة العباسية والعثمانية وعن النهايات للدول، وعن أحداث وطنية مصرية مثل معاهدة عام 1936 التي وقعها النحاس باشا، وهو نفسه الذي قام بإلغائها بعد سنوات. فببراعة ينسج الكاتب من الاحداث عبرة يتم وضع كل منها في مكانه المناسب.

أما استشهاده بقصة سيدنا الحسين فهي الأروع حيث الفكرة في مواجهة الماديات الملضومة بالطريق والقرار والوصول.

في الحياة هزائم وانتصارات

وخلال كتاب الطريق يجعلنا الكاتب نترك القراءة من الورق ونتأمل، فهو مثلا يتناول فكرة ما يظنه البعض من أن الهزيمة لحظة لا تنتهي، بينما الحقيقة ان الهزيمة هي نقطة على منحنى قلما يسير في خط مستقيم، وأن الهزيمة تشيخ وتموت مثلها مثل النصر لا خلود لكليهما. بل قد يكون ظاهر الأمر هو الهزيمة وباطنه النصر مثلما حدث في "مؤتة". حيث استطاع خالد بن الوليد في هذه المعركة أن يؤسس لمدرسة فكرية ـ قبل أن تكون عسكرية ـ عظيمة، مدرسة الوصول.

تسحبنا كلماته فنطبق الفكرة على حياتنا نحن وما جرى لنا فيها من هزائم وانتصارات، فنجد أنفسنا نعيد تقييم ما تعاملنا معه كهزيمة وما فرحنا به باعتباره انتصارا.

يجعلنا نقرأ ما كتبه حول أن هناك أسئلة ذات إجابات عديدة صحيحة، وحول أن النية تصلح العمل أو تفسده، وحول أن الإجابة ليست ما ينير الطريق، إنما السؤال. ثم إذا بنا نستعيد مواقفنا وتجاربنا الحياتية ونترك كتابه جانبا، كي نعيد القراءة في كتاب حياتنا نحن.

المفاجأة

وبعد أن يستدرجنا لالتهام الصفحات، يختتم الكتاب بخاتمة غير متوقعة تجعلنا نزداد إعجابا بإسلوبه الشيق، وبراعته في تناول الفكرة، التي تجعلنا مع الصفحة الأخيرة نكتشف ضرورة ألا ننظر للدنيا من ثقب إبرة، فنشعر برحابة الدنيا واتساع الكون، وأن لنا رب قادر على أن يقول كن فيكون.