الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صناعة علمية بالغة الدقة

رائد الفكر المعاصر.. ماذا قدم الإمام الطيب في ملف تجديد الخطاب الديني؟

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

تظل قضية تجديد الفكر الديني أحد التحديات التي برزت في عهد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذي تحل اليوم الجمعة السادس من يناير ذكرى مولده الـ 77، حيث يعد الشيخ واحداً من أهم المعنيين بهذه المسألة التي شغلت الرأي العام الداخلي والخارجي.

 

ونرصد في التقرير التالي جهود الإمام الأكبر في إرساء دعائم التجديد، ومواكبة مستجدات الواقع، من خلال التالي:

ماذا قدم الإمام الطيب في ملف تجديد الخطاب الديني ؟

وكان الأزهر الشريف طيلة ما يزيد على ألف عام مُجدِّد علوم الأمة الإسلامية، وحامل لواء الوسطية والتيسير؛ بما ينفع الناس، ويحقق مصالحهم؛ دون تنكُّر للدين ومُسلَّماته، وهذه حِرفةٌ صعبة تحتاج لعلماء أفذاذ راسخين؛ زَخَرَ بهم الأزهر الشريف طيلة هذه الفترة.

 

ووفقًا لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فإن الإمام الطيب -حفظه الله- لواحد من رجالات هذا الفن، المهتمون به، المتميزون فيه، ومن أبرز جهود فضيلة الإمام في هذا الشأن:

1- تطوير مناهج الأزهر الشريف بما يُناسِب روح العصر، ويجمع بين أصالة النص، ومعاصرة تطبيقه في واقع الناس، من خلال إنشاء «اللجنة العليا لإصلاح التعليم»، و«لجنة إعداد وتطوير المناهج»، وهي لجنة تضم علماء مُتخصِّصين، وخبراء تربويين.

2- استعادة دور «هيئة كبار العلماء» الرائد في تجديد الخطاب الديني، والحفاظ على الثوابت الإسلامية في كثير من القضايا المُجتمعية والثقافية، من خلال أبحاث ومُؤلفات ومُلتقيات فكرية شبابية.

3- إنشاء «مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية»؛ متابعةً لمستجدات الواقع المعاصر، وتجديد الرؤية الشرعية للعديد من القضايا الفقهية المستحدثة.

4- إنشاء «مركز الأزهر للتراث والتجديد»، وهو مركز مُتخصص يُعنَى ببحث مسائل وقضايا الفقه الإسلامي، ويجدد النظرة الشرعية لها؛ بما يحفظ أصالة النص، ويواكب مُستجدات الواقع المُعاصر؛ وفق شروط التجديد، ودواعيه، وضوابطه، وثبات بعضِ أحكام الشَّريعة، وتغَيُّر بعضها.

4- تطوير برامج «الرّواق الأزهري» في الجامع الأزهر وفروعه في محافظات الجمهورية؛ ليؤدي دوره التعليمي والدعوي للمصريين والأجانب من الناطقين بالعربية والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية؛ وفق منهج الأزهر الوسطي والمُستنير؛ ويجري العمل فيه من خلال عدة أروقة داخلية:

*رواق القرآن الكريم؛ لتحفيظ أبناء المسلمين القرآن الكريم من المصريين والوافدين، وفق برامج مناسبة لظروف وأحوال الدارسين، وعلى يد نخبة من معلمي الأزهر من حفظة القرآن الكريم الذين اجتازوا اختبارات لجنة مراجعة المصحف الشريف.

*رواق التجويد والقراءات؛ لتعليم أحكام التجويد، وأوجه القراءات الصحيحة والمتواترة عن سيدنا رسول الله ﷺ.

*رواق العلوم الشرعية: ويمر الدارس بثلاثة مراحل دراسية: (التمهيدية - المتوسطة - المتخصصة) وتُدرس العلوم العربية والشرعية وفق المنهج الأزهري الوسطي على يد علماء متخصصين.

*استحداث وحدة «فتاوى التنمية والاستثمار» التابعة لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية؛ لتقديم الفتاوى الاقتصادية المتخصصة لجمهور المستفتين حول الاقتصاد وفقه المال والأعمال بما يواكب مستجدات الواقع ويراعي مصالح الناس.

صناعة علمية بالغة الدقة

يقول الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن عملية التجديد في شريعة الله، أنها صناعة علمية بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون في العلم، وقد طلب الأزهر في هذه المادة غير المؤهلين تجنب الخوض في هذا الموضوع؛ حتى لا يتحول التجديد إلى ما يشبه محاولة للتدمير والتبديد، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بمجال دعوات المتطرفين للشباب بترك أوطانهم التي ينعتونها بـ المجتمعات الكافرة، ومطالبتهم بالهجرة منها للالتحاق بجماعتهم المسلحة، يقول الأزهر أن هذه الدعوة ضلال وجهل بالدين وبشريعته السمحة.

وأضاف "الطيب"، خلال كلمته ببرنامج "الأمام الطيب"، المذاع على فضائية "سي بي سي ": "أما النصوص القابلة للتجديد فتسمى النصوص الظنية الدلالة، ومثلنا لها بالنصوص الواردة في البيع وغيرها، ومن هذه النصوص الآيات الواردة في الأمر بالعدل والشورى والمساواة، فإنها قابلة للتطبيق عبر الاجتهاد على أي نظام من أنظمة الحكم، ما دام يحقق مقاصد هذه الآيات، ومنها النصوص التي تحقق للمسلمين حرية الحركة والتأقلم بالأنظمة الحديثة في مجال العلاقات الدولية.

وتابع: ومنها أيضا مجال القوانين الجنائية في غير مجال الحدود الشرعية، وإن كان مجال الحدود الشرعية هذا قد وضع له من القواعد والاشتراطات الشرعية ما يجعل من إقامة "الحد" أمرا نادر الحدوث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، فهذه القاعدة بمفردها تجعل من إثبات الحد أمرا بالغ الصعوبة، إذ كل جريمة من جرائم الحدود لا تكاد تخلو من شبهة من الشبهات تأخذ بيد القاضي إلى النزول من عقوبة الحد إلى عقوبة أخرى أقل منها وقُل مثل ذلك في مجالات الاقتصادِ ومجالات الأحوال المدنية، وكلِّ ما يُثمِرُه "قانونُ التطور" من اجتماعيَّاتٍ وآدابٍ وثقافاتٍ، ما دامت تَندرجُ بصورةٍ أو بأخرى تحتَ مقاصدِ الشريعةِ، والتي لا نَمَلُّ من القولِ بأنها مقاصدُ إنسانيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ ومصلحيَّةٌ تقومُ على الإيمانِ بالله تعالى.

وأشار الإمام الطيب إلى أن الدولة في الإسلام ليست ـ كما يقول زورا وكذبا ـ دولة دينية (كهنوتية) بالمفهوم الغربي، وكذلك ليست دولة مستبدة تجحد الدين، ،تحرم الناس مما يتضمنه من مصالح ومنافع وأمن وأمان، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم وأفراحهم، ومواساتهم، وعزاؤهم في مصابهم من أخلاق البر الذي أمرنا الإسلام به تجاه إخوتنا من غير المسلمين، ويجبُ على السُّلطاتِ المختصَّةِ أن تَتعقَّبَهم وتُحاكِمَهُم وتَقتَصَّ منهم القصاصَ العادلَ، وتُخلِّصَ البلادَ والعبادَ من جَرائمِهم، مضيفا أنه ليس في تهنئة المسيحيين، أو اليهود ـ من غير الصهاينة ـ أو أي مسالم لنا على وجه الأرض أو تعزيتهم مخالفة للشريعة الإسلامية، وحجتنا فيما ذهبنا إليه قوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} هذه الآية الكريمة قاطعة في الردِّ على الذين يُحرِّمون مُصافحــــةَ المســــيحيِّين؛ ذلك أنَّها -مع ما بعدها- تُقسِّمان غير المسلمين إلى من لا يحاربون المسلمين ولا يُخرجونهم من دِيارِهم، ولا يُضيقون عليهم ليَهجُروا بلادَهم وأوطانَهم، وهؤلاء لا حَرَجَ على المسلِمِ أن يَبَرَّهُم ويُقسِطَ إليهم، بل مطلوبٌ منه البِرُّ والقسط، والبرُّ المذكور في الآية هو: "حسن المعاملة والإكرام"، والإقساط هو "العدل بأوسع معانيه"، وهو يَنطبقُ على التوازن في كُلِّ مواقفِ الإنسان مع غيرِه وتَصرُّفاته إزاءه.