الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حب وكراهية

نهال علام
نهال علام

وأقسَمَ بحق من رفع السماوات بلا عمد، والله الواحد الصمد، وعزة وجلال الأحد، ذلك الشخص الذي لا أذكر له اسماً ولا لملامحه رسماً ولا وصفاً، ولم تحتفظ ذاكرتي لقسمه سبباً، فقط جلّ ما اذكر إنني التفت للسماء وأدركت أن هذا الرجل فتح في رأسي أبواب العناء، فليقسم ما يشاء، ولكني أدركت حقيقة تبدو على رأسي الصغير عنيدة، وسنوات عمري التي كانت في ذلك الوقت أصغر من أن تقبل الحقائق الوجودية الأكيدة، ولكن عذراً فهي على استيعاب الصغار عجيبة.

صدق الرجل فالسماء بلا عَمد تضرب جذورها في الأرض فتمتد أغصانها للسماء فتمنح لثباتها سبب، ولا يوجد أوتاد تربط جيدها برقاب الجبال عبر حزمة من الحبال، فالسماء حرة والتفكير في أسباب ذلك مُرّة، لأنها محيرة والحيرة مرار وليس منها فِرار، ومع مرور السنوات وشغلي الشاغِل هو إيجاد تفسير للسماء التي تظللنا بلا تقصير، تسربل إلى قلبي يقين قد يكون محض ظن ولكنه ظن حميد، فإرادة الخالق تعلو فوق الخلائق، ولكن فُطر الأنسان على الجدل وميزه الله بالعقل ليبحث عن السبب، وإلا ما يفرقه عن نواة البلح الرُطب!

سنوات العمر مليئة بالنعمة المسماة بالحكمة والتي ما أن تفارق رأسك ويتحدث بها لسانك تصبح نقمة، لكن هذا لن يردع الأفكار فقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا، ولن يرهب مؤمن أن يواجه عقوبة التفكير بالتكفير، فالدين لله والتدين لمن شاء من عباده، والسؤال برهان اليقين وأمارة الحب والتعلق برب هذا الكون السحري الفسيح.

فجل ظني أن السماوات عمادُها سبع، تلك السبع هي المحبة والسلام والصدق والإيثار والتغافل واللين والرحمة، سنن كونية عرفناها بالتبعية القلبية لهمسات مزوية في تلك الحياة الإنسانية، ولكن عندما نلقاها فهي تجعل الحياة وردية، وذلك ما جعل في يقيني أن تلك المعاني وان كانت هي أعمدة السماء الرمزية فذلك ما يمنح الكون المنطقية.

ومن فضاء السماوات الواسعة لبراح مواقع التواصل الاجتماعي الضيقة، رهان حقيقي على مبادئك القيمية، وما تتبعه في حياتك هل هو من باب النظرية القابلة للدحض أم العقيدة التي لا تقبل الشك. 
ففي الأيام القليلة الماضية اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فيض غير مسبوق من تسونامي الكراهية، وهو بالفعل ما أربكني بل وجعلني اسأل عشرات الأسئلة لنفسي، وعندما لم أصل لإجابة تراتبية، فقد تيقنت أن تساؤلاتي بالأساس لم تحالف الصوابية، وما بني على قش فهو هش.

احتدم الجدال حول أحد الشيوخ بمناسبة تقديم سيرته في عرض مسرحي، وطال الجدل أحد رؤساء الجمهورية بمناسبة ذكرى ميلاده التى تجاوزت المئوية، واحقاقاً للصدق لم أكن يوماً من مريدي الشيخ ولا تلاميذه وأيضاً لم أكن من مدرسة الزعيم ولا من المناصرين لنهجه.

وهذا هو التوصيف الذي عجزت عن تفسيره فكيف لسيل الهجوم عليهم ومحاولات النيل من تاريخهم أن تزعجني، فهي ليست شخصيات تستهويني ولا أجد في تاريخها نبراساً اهتدي به ولا دليلاً احتذي به، لكني بالفعل انزعجت من هذا الهجوم وضايقني ذلك الوجوم الذي اعتراني في المسافة الفاصلة بين شعوري الكامن، ورفضي الظاهر.

وهنا انهالت على رأسي الأسئلة، التي لم تواجهها الأجوبة، بل هزمتها أسئلة أخرى كانت أكثر ثباتاً وصدقاً وقرباً وقصداً، ويمكن أن نبدأها بسؤال من  أنا لأكره وأحاسب وأحاكم وأطرح الصواب من الخطأ! كيف لي أن أكون القاضي والجلاد ودليلي باطنه بعض معتقدات وظاهره أنه غازل هوى في نفسي، فالدنيا لم تجبل على الأبيض ولم يحسم الأسود بتضاده للأبيض تعريفاً واضحاً لكليهما.

فاللونين الأبيض والأسود إذا اعتبرناهم كما تعلمنا أنهم ملوك الوضوح والمعيار الذي بنينا له الصروح في الدقة بجنوح، إلى أن اكتشفنا مع الأيام أن كليهما يحمل ألف درجة، ويظل اسم اللون رمز لكن لا يمكن الاتفاق على درجة تميزه دوناً عن غيرها، وإلا ستكون عرضة للهمز واللمز من كل مختلف يحمل حجة ويبرهن عليها بالغمز.

ومابين الأبيض الؤلؤي والأسود المفضض ملايين الدرجات التي هي بالفعل بيضاء الهوية أو سوداء الجذرية،لا تخضع لمقياس يجمعها ولا مطلق يوحدها، كلها نسبية كما الحياة كل ما فيها ابن بار للتقريبية ومحك الحكم على أمورها هو الجدلية.

فالجدل شريعة الكون، والسؤال هو أصل البحث في أمور الملكوت، والحقيقة التي يصل إليها الإنسان أمر يخصه دون شك وله الحرية في اعتناق معتقداته لكن دون هجوم، فالهجوم والسباب هم حجة من ليس له حجة، لذا كل من تطاول وتجاوز في ظني أن وفاضه يخلو من اليقين بدوافعه، لذا أطلق العنان للسانه بالتجريح عوضاً عن أسبابه.

لازلت في حيرة ابحث عن تضاد كلمة الحب، فتلك القيمة التي في يقيني أنها أحد أعمدة السماء الخفية، لا يليق بها أن يكون عكسها الكراهية، فالكراهية صفة قائمة بذاتها والنفس التي عرفت الحب لا يسعها أن تكره، قد تغضب أو تحزن، ربما تأن وتهن لكن حاشاها أن تكره، تلك تركة ثقيلة يصعب على القلب احتمالها، فهل اثبت العلم أن الحيوانات تنتابها الكراهية أو أن النباتات تنفث تلك الصفة الضالة من أحد أوصالها، أليس من الأحرى أن الجماد لو عرف الكراهية ما نائت الجبال بما حملت، فكيف أن يستوعب العقل ماعجز اللا عقل عن تقبله.

وإذا كانت أعمدة السماء الخفية هي اسمى القيم الإنسانية، ففي ظني أن رواسي الأرض القوية هي الاختلافات التي تحملها البشرية، إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا وليس لتتناحروا وتتصارعوا بالطلقات أو بالكلمات فكليهما سواء، لذا فالمجد لتعدد الآراء ولكن مع وحدة الأخلاق، التي تضحد دون تجريح وتثبت بلا تلقيح.

ويتعاظم الأمر إذا كان وجهة الخلاف بين يدي بارئها، عاد أمرها إليه وعليه محاسبتها، وهذا لا يعني ألا نتدبر التاريخ ونجتهد في قراءة ذاتية من صنعوه، وابداء الرأي واعتناق الفكر أو نبذه، بل إن تجاهل التاريخ هو بمثابة فخ في طريق المستقبل، فمن أراد المضي قدمًا عليه أن يعود للوراء كوتر القوس لينطلق للأمام كما سهمه، ويجب ألا نغفل أن مهما كان بين أيادينا من تاريخ واجتهاد وتأريخ، ومساعي تحليلية وشهادات شخصية، فكلها جزء من حقيقةٍ واراها التراب كما أصحابها، وما وصل لنا هو قشور التجارب فنحن لا نعلم علم اليقين الظروف والملابسات والأحداث من كل الجهات.

البشر بوتقة للخير والشر، للظلم والعدل حتى مع أعتى الطغاة ألم يُظلَم شمشون ويَظلِم، ألم يكن قوي البنيان ذو القلب الذي هوى على مذبح دليلة، وهتلر ذلك الفوهلر الذي أراق دماء جعلت أوروبا تكشف عن ساقيها عندما بلغت الدماء أعقابِها ألم يكُن رساماً مبدعاً وحبيباً مخلصاً!

لا يكشف عن النوايا غير رب النوايا، فلم نبلغ من العِلم ما نشُق به صدر الأحياء فما بالنا بالأموات، ولا نملك إلا التفكير والنقد والتدبير في مجريات أحداث هذا الكون الشقي الرقيق، والتجربة متاحة والنتائج العقلية مباحة كلٍ بما نضحت به نفسه لكن دون قباحة، فمن حقى ككائن مفكر أن اعترض على الفعل لكن دون تشويه وتجريح وتسفيه صاحبه.

نحن اليوم هُنا نكتب تاريخ الغد، حتى وإن كُنا حفنة من المكررين، ولكن بلا شك نحن مؤثرين في حياة البعض، لذا فلنقدم لذكرانا بعض الرحمة التي نستودعها لذكرى السابقين فجميعنا في يوم قريب من اللاحقين، ولنا كامل الحق في نقد الأحياء الأصحاء لكن أيضاً مع اتباع قواعِد الأخلاق.

شتان بين النقد الهادف والتطاول الهادم، وكما قال أمير الشعراء إذا أصيب القوم في أخلاقهم...فأقم عليهم مأتما وعويلا، وأزيدك من الشعر ابياتاً قالها السموأل إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُـهُ        فَكُلُّ رِداءٍ يَــرتَــديهِ جَميل..وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها..فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ، فاللهم بلغنا حُسن الخُلق مع الخلائق، فغداً نحن إليك راجعون، فيامن خلقت السماء بلا عَمد وذكرت في كتابك الكريم لفظ الحب ضعف ما ذكرت الكراهية القي على الأرض المحبة لنبلغ بها قربك لعلها تكون لرضاك السبب.