الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد 10 أسابيع تظاهر| اليمين المتطرف الإسرائيلي يواصل خطط "تكميم" القضاء.. والمعارضة تتوعد

مظاهرات ضد حكومة
مظاهرات ضد حكومة بينيامين نيتينياهو

يبدو أن اليمين المتطرف الذي يسيطر على الحكومة الإسرائيلية قرر أن يخوض معاركه الصفرية مع كافة أعدائه في توقيت واحد، وما تشهده إسرائيل حاليا من مظاهرات حاشدة ضد خطوات حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة لإقرار تشريعات من شأنها الحد من صلاحيات السلطة القضائية مؤشر على إصرار هذا التيار المسيطر على الحكم داخل الكيان الإسرائيلي للقضاء على خصومه مرة واحدة.

مع الأسبوع العاشر للتظاهر .. 300 ألف في تل أبيب فقط  

وفي آخر التظاهرات التي شهدتها مدن إسرائيل، شارك مئات الآلاف من الإسرائيليين في موجة المظاهرات الأخيرة التي عمّت أرجاء البلاد احتجاجا على خطط حكومية تستهدف إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي، حيث تشير تقارير إلى مشاركة نحو 300 ألف متظاهر في تل أبيب حيث المقر الرئيسي لهذه المظاهرات، كما سُجلت مشاركات بأعداد قياسية للمتظاهرين في مدن مثل حيفا، التي تشير تقارير إلى وصول أعداد المتظاهرين فيها إلى نحو 50 ألفا.

ويأتي احتشاد الإسرائيليين في الشوارع في مظاهرات على مستوى البلاد، في أسبوعهم العاشر احتجاجًا على خطط الحكومة اليمينية المتشددة للحد من سلطات المحكمة العليا، التي يعتبرها منتقدون تهديدًا لاستقلال القضاء، ومع اقتراب الإصلاحات نحو التصديق، تصاعدت الاحتجاجات وهدد بعض جنود الاحتياط العسكريين بعدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء.

الأسبوع المقبل لحظة الحسم ..

ورغم حدة المظاهرات، إلا أن حكومة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو تواصل المضيّ قدما في أجندتها التشريعية الأسبوع المقبل، متجاهلة دعوات للتوقف والتفاوض بشأن الخطط التي أثارت انقسامات في الرأي العام الإسرائيلي، حيث  دعا الرئيس إسحاق هرتزوغ إلى تأجيل الإصلاح وعقد الحوار حوله، وذلك بعد أن وصفه بأنه "خطر يتهدد مؤسسة الديمقراطية".

وبرر نتنياهو موقفه، قائلا: "المظاهرات تهدف إلى الإطاحة به"، وبرر موقفه بالتمسك بتلك الإصلاحات رغم حجم المعارضة الغير مسبوق، بأن الإصلاحات تهدف إلى منع المحاكم من تجاوز سلطاتها، وإن الجمهور الإسرائيلي صوّت لها في الانتخابات الأخيرة.

وبالفعل قام رئيس لجنة القانون في الكنيست سيمحا روتمان بإعداد جدول لجلسات استماع يومية لأجزاء من مقترحات الحكومة بخصوص هذه الإصلاحات ابتداء من الأحد وحتى الأربعاء قبل التصويت عليها، وذلك بعد أن أقر أعضاء الكنيست نصوص هذا التشريع بالفعل في قراءة أولى.

مخطط قديم لنتينياهو ..

ووفقا للأجندة التي يطرحها نتنياهو منذ فترة، ويعمل على تنفيذها التكتل السياسي المحيط به منذ فترة حكمه، كرئيس للحكومة للمرة الثانية، يحاول نتنياهو ترسيخ الاستبدادية التي تبلورت وترسخت في نظام الحكم الإسرائيلي عبر حزب "مباي" وآخرون ممن سبقوه شخصياً في رئاسة الحكومات الإسرائيلية، بتجهيز حزمة من مبادرات تشريعية وجماهيرية موغلة في التطرف، تهدف إلى ما يصفه التقرير بأنه "كسر قواعد اللعبة الديمقراطية في إسرائيل".

وذكرت دراسة إسرائيلية نشرت قبل تشكيل الحكومة الحالية، أن هدف الحزمة التشريعية التي يعمل عليها تحالف نتنياهو هو إضعاف مكانة قوانين الأساس، واتخاذ خطوات فعلية مختلفة لتقليص صلاحيات الكنيست وقدرته على ممارسة الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية (الحكومة) وأذرعها المختلفة، سواء عبر تشريعات قانونية أو إجراءات عملية لإشاعة الشك والتشكيك في الأذرع القضائية المختلفة، في مهنيتها وموضوعيتها، وتقويض مكانتها واستقلاليتها المهنية، وتقليص حدود المنافسة السياسية ومساحتها المتاحة عبر نزع الشرعية عن المواطنين العرب ومشاركتهم السياسية، كما عن "اليسار" أيضاً، وعن ممثليهم السياسيين حدّ إقصائهم التام عن الملعب السياسي الشرعي.

منذ بداية ولايته وهدفه قانون السيطرة على المحكمة العليا 

ومنذ بداية الولاية السادسة لنيتنياهو بمنصب رئيس الوزراء، كان هدفه الأساسي بقانون تقييد عمل المحكمة العليا التي يتهمها أعضاء من ائتلافه الديني القومي بالنخبوية والتجاوز في سلطاتها، وذلك عبر قانون يهدف إلى السيطرة على تشكيلها، فمن شأن التشريع المقترح أن يقيد أحكام المحكمة العليا ضد تحركات الحكومة أو القوانين في الكنيست، بينما يزيد من نفوذ السياسيين على اختيار القضاة، حيث يتهم منتقدو المحكمة العليا، وخاصة من اليمين، القضاة بالتعدي المتزايد على المجال السياسي وتجاوز سلطاتهم لصالح أجندة يسارية.

والقانون الذي أثار جدلا محتدما، سيسمح للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بإلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، بالإضافة إلى ذلك سيتم منح أعضاء الكنيست تمثيلا أكبر في اللجنة التي تعين قضاة المحكمة العليا، وبحسب الخطة، سيتم توسيع لجنة اختيار القضاة لتضم 11 عضوا، بدلا من تسعة، حيث تتألف اللجنة حاليا من ثلاثة قضاة من المحكمة العليا ومحاميين اثنين ووزيرين وعضوين من الكنيست.

ووفقا للقانون الإسرائيلي، فأن أي تعيين لقاضي جديد للمحكمة العليا، يتطلب موافقة سبعة أصوات على الأقل من التسعة، في حين أن التعديل الجديد ستكون ستة أصوات كافية لذلك، إلى جانب ذلك ووفقا للتعديل الذي طرحه وزير القضاء ياريف ليفين سيرتفع عدد أعضاء الكنيست في اللجنة من اثنين إلى ثلاثة على أن يكون اثنين منهم من الائتلاف الحاكم، إلى جانب إضافة وزير جديد للجنة ليصبحوا ثلاثة بدلا من اثنين.

هكذا ينظر كلا الطرفين للقانون

ويقول مؤيدو الإصلاح إن النظام القضائي الإسرائيلي ولاسيما المحكمة العليا أصبح قويا للغاية ويتدخل في كثير من الأحيان في قضايا سياسية خارج نطاق اختصاصه، وقال نتنياهو: "ما نسعى إلى القيام به سيعيد التوازن بين السلطات"، مضيفا "سنقوم بالتغييرات الضرورية في النظام القضائي بحكمة ومسؤولية وسنغير النظام ونحفظه ولا ندمره".

في حين، يقول المعارضون إن الإصلاحات ستؤدي إلى تحييد المحكمة العليا وتقويض الديمقراطية الإسرائيلية، ويعترف العديد من المعارضين للخطة بوجود حاجة إلى إجراء تغييرات، لكنهم لا يوافقون على الإصلاحات الشاملة، لأنها "ستؤدي إلى تغيير النظام".

المحكمة ترد .. وتلك شعبيتها 

من جانبها، ترى رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية القاضية حايوت أن التعديل القضائي الجديد سيؤدي إلى "سحق النظام القضائي"، وقالت إن التعديل الجديد لا يهدف إلى تحسين النظام القضائي، بل إلى سحقه، فهو يهدف لتوجيه ضربة قوية لاستقلال جهاز القضاء، مشيرة إلى أن تغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة يهدف إلى "تسييس الجهاز القضائي".

فيما أشار استطلاع نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية إلى تراجع ثقة العامة في المحكمة العليا، فقد كشفت الدراسة أن 80% من الإسرائيليين المنتمين لليسار و62% من تيار الوسط و29% فقط من اليمين يثقون بالمحكمة، كما وجدت أن معظم الإسرائيليين - 55.6% - يؤيدون أن تتمتع المحكمة بالقدرة على إلغاء القوانين التي يقرها الكنيست حال تعارضها مع مبادئ الديمقراطية.

سنواصل مهما كلفنا الأمر..

ورغم موقف الحكومة الإسرائيلية الرافض للتفاوض حول تمرير تلك التشريعات، إلا أن المعارضين قرروا مواصلة تلك الاحتجاجات، وتعهد منظمو المظاهرات بتكثيف مسيراتهم الاحتجاجية ما لم تضع الحكومة تلك المقترحات التشريعية جانبا، حيث يرى المعارضون في تلك الإصلاحات القضائية المقترحة خطرا يتهدد الديمقراطية في إسرائيل، على حد زعمهم.

"خطر حقيقي يحيق بنظام الحكم في إسرائيل وبمؤسساته الديمقراطية" .. هكذا خلصت دراسة صدر مؤخراً – مايو 2022 - عن "معهد زولات، للمساواة وحقوق الإنسان" الاسرائيلي، والتي تنبأت بالواقع الحالي الذي تشهده الدولة العبرية من أزمات عميقة، تتمثل في صراع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتينياهو وتحالفه المتشدد، مع السلطة القضائية الإسرائيلية وعلى رأسها المحكمة العليا.

وكشفت الدراسة، أن هناك تواتراً ملحوظاً جداً يحيق بنظام الحكم في إسرائيل، مصدره الأساس هو "السلطة التنفيذية" والمسيطرون على مقاليدها، خلال العقدين الأخيرين بوجه خاص، من مدرسة السلطة التسلطية والاستبدادية، تمتلك أجندة تتلخص في أساسها وبصورة علنية واضحة، بكونها "أجندة إضعاف النظام الديمقراطي ومنظوماته الكابحة، العنصرية الفظة تجاه المواطنين العرب، كراهية الغرباء، المثليين جنسياً والنساء و... أجندة تهشيم عظام اليسار بطريقة ديمقراطية".

نتنياهو يسعى للتخلص من الملاحقة القضائية 

ولكن يبدو أن هناك مصالح شخصية مباشرة في هذا التعديل، بجانب المصالح السياسية للائتلاف المتشدد، حيث يقول قال أمير فوكس الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في حديث مع وكالة أنباء "شينخوا"، إن المضمون الأساسي للإصلاح هو إعطاء الائتلاف الحاكم سلطة مطلقة للأغلبية، وكذلك الدافع وراء الخطة هو "رغبة نتنياهو في تخليص نفسه من مشاكله القانونية".

وأضاف فوكس، أنه من بين الإصلاحات تعيين نائب عام من قبل الحكومة، لذلك لن أستغرب إذا ألغى النائب محاكمة نتنياهو، حيث يحاكم نتنياهو في تهم بالفساد تتعلق بثلاث قضايا منفصلة تتضمن الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة، وهو الذي يحاول نتنياهو نفيه، ويؤكد حديث فوكس، ما قاله يانيف روزناي المدير المشارك في مركز روبنشتاين للتحديات الدستورية فى جامعة رايخمان الإسرائيلية، من أن نتنياهو كان ضد مثل هذه الإصلاحات سابقا ويعتبرها مدمرة، ولكن الآن يجر نتنياهو من قبل العناصر المتشددة في ائتلافه بسبب وضعه القانوني، مما لا يترك أمامه الكثير من الخيارات.