الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أعداد صادمة وقصص مؤلمة.. متحف بولندي يرمم أحذية ضحايا النازية من الأطفال تخليدا لذكراهم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هل تتخيل أن هناك 100 ألف حذاء لأطفال، تم حرقهم من قبل الحكم النازي في منتصف القرن الماضي، وأن تلك الأحذية بالفعل موجودة داخل مخازن متاحف خاصة بهم؟، بالفعل يعمل مشرفوا المتحف الآن على ترميم تلك الأحذية، وذلك تمهيدا لعرضها، والمفزع فيما نشرته صحيفة npr الأمريكية، أن العدد المعلن يمثل تقريا رقم زهيد في ضحايا تلك المجازر، والذي تجاوز 1.1 مليون شخص قتلتهم القوات النازية في الحرب العاليمة الثانية. 

 

 

متحف أوشفيتز 

في مختبر حديث للحفظ على أرض معسكر أوشفيتز السابق الموجود حاليا في بولندا، يستخدم رجل يرتدي قفازات مطاطية زرقاء مشرطًا لكشط الصدأ من ثقوب الأحذية البنية الصغيرة التي يرتديها الأطفال قبل قتلهم في غرف الغاز، فيما يقوم الزملاء في الطرف الآخر من طاولة العمل الطويلة بفرك الغبار والأوساخ باستخدام أقمشة ناعمة وحركات دائرية دقيقة على جلد الأشياء الهشة، ثم يتم مسح الأحذية وتصويرها في غرفة مجاورة وتصنيفها في قاعدة بيانات.

 

هكذا بدأ متحف أوشفيتز العمل للحفاظ على 8000 حذاء للأطفال المقتولين داخل معسكر الموت الألماني النازي السابق أوشفيتز بيركيناو، وقد كان العمل جزء من جهد لمدة عامين بدأ الشهر الماضي للحفاظ على 8000 حذاء للأطفال في معسكر الاعتقال والإبادة السابق حيث قتلت القوات الألمانية 1.1 مليون شخص خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد 75 عامًا من تحرير أوشفيتز، وهنا نجد أن الناجون يحثون العالم على التذكر دائما.

 

 

بعد 75 عاما .. الناجون يحثون العالم على التذكر

 

تقرير الصحيفة الأمريكية، رصد تفاصيل الأحداث، حيث كان الموقع الذي أصبح متحفا، يقع أثناء الحرب في جزء من بولندا احتلته القوات الألمانية وضمته إلى الرايخ الألماني، واليوم أصبح نصب تذكاري ومتحف تديره الدولة البولندية، والتي تقع عليها المسؤولية الجسيمة للحفاظ على أدلة الموقع، حيث كان البولنديون أيضًا من بين الضحايا. 

ويعد هذا الموقع ذا أهمية كبيرة، وذلك بعد أن دمر الألمان الأدلة على فظائعهم في العديد من المعسكرات الأخرى، ومنها تريبلينكا ومعسكرات أخرى، لكنهم فشلوا في القيام بذلك بالكامل في موقع أوشفيتز الهائل عندما فروا من القوات السوفيتية المقتربة في حالة من الفوضى قرب نهاية الحرب.

 

الأدلة تتلاشى 

وبعد ثمانية عقود، بدأت بعض الأدلة تتلاشى تحت ضغوط الوقت والزيارات الجماعية للسياح، حيث يعتبر الشعر المغطى من الضحايا لصنع القماش بقايا إنسانية مقدسة لا يمكن تصويرها ولا تخضع لجهود الحفظ، بل إنها تتحول إلى غبار، وذلك وفق ما جاء بتقرير npr الأمريكية.

 

ولكن لا يزال هناك أكثر من 100000 حذاء للضحايا ، حوالي 80.000 منها في أكوام ضخمة معروضة في غرفة حيث يتقدم الزوار يوميًا، وكثير منها مشوه، وألوانها الأصلية تتلاشى، وأربطة الأحذية تتفكك، ومع ذلك فهي تحمل وشهادات حياة مختصرة بوحشية.

 

مشاهد تحزن القلب

وعن تأثير تلك البقايا من آثار الجريمة، يقول ميروسواف ماسياشيك، أخصائي الترميم من مختبرات الصيانة بالمتحف: "أحذية الأطفال هي الشيء الأكثر إثارة بالنسبة لي لأنه لا توجد مأساة أكبر من مأساة الأطفال، فالحذاء شيء وثيق الصلة بشخص ما، بطفل، إنه أثر، وأحيانًا يكون الأثر الوحيد المتبقي للطفل."

 

ويذكر أخصائي الترميم، أنه وعمال الحفظ الآخرين لا يغيب عن بالهم أبدًا المأساة الإنسانية وراء الأحذية ، حتى عندما يركزون على الجوانب الفنية لأعمالهم في مجال الترميم، ففي بعض الأحيان تغلب عليهم العاطفة ويحتاجون إلى فترات راحة للخروج من تلك الحالة، ولقد طلب المتطوعون الذين كانوا يعملون بأحذية البالغين في الماضي مهام جديدة بعد عدم قدرتهم على تحمل حجم المأساة.

 

لكل حذاء تفاصيله الخاصة تتحدث عن صاحبه 

لكل حذاء تفاصيله الخاصة تتحدث عن صاحبه، وهنا يقول إليبيتا كاجزر، رئيس المجموعات، إن أعمال الترميم تظهر دائمًا بعض التفاصيل الفردية لأولئك الذين قتلوا في المعسكر - يمكن للحقائب، على وجه الخصوص، أن تقدم أدلة لأنها تحمل الأسماء والعناوين، وتتوقع أن يكشف العمل على أحذية الأطفال أيضًا عن بعض التفاصيل الشخصية الجديدة.

كما أنها تفتح نافذة على حقبة ماضية عندما كانت الأحذية سلعة ثمينة تنتقل من طفل إلى آخر، وبعضها يحتوي على آثار لنعال تم إصلاحها وإصلاحات أخرى، وذلك وفق ما جاء بالصحيفة الأمريكية.

ووفقا لإدارته، فإن المتحف قادر على الحفاظ على حوالي 100 حذاء أسبوعيا، وعالج 400 حذاء منذ بدء المشروع الشهر الماضي، فالهدف ليس إعادتهم إلى حالتهم الأصلية، ولكن جعلهم أقرب ما يمكن إلى الطريقة التي تم العثور عليهم بها في نهاية الحرب، ومعظم الأحذية عبارة عن أشياء مفردة، والزوج الواحد الذى لايزال مرتبطًا بأربطة الحذاء أمر نادر الحدوث.

 

عملة إيطالية أو إسم العائلة .. هكذا بعض ما كان بالأحذية 

ويذكر القائمون على أعمال الترميم، الكثير من التفاصيل الخاصة لكل حذاءئ، ففي العام الماضي، عثر عمال يحتفظون بأحذية البالغين على ورقة نقدية إيطالية من فئة 100 ليرة في حذاء نسائي عالي الكعب مطبوع أيضًا باسم Ranzini ، والذي كان مصنعًا للأحذية في Trieste، ومن المحتمل أن يكون المالك إيطاليًا، لكن لا يوجد شيء آخر معروف عنها.

 

فيما وجدوا أيضًا اسم Věra Vohryzková على حذاء طفل بالصدفة، وقد لاحظ أحد العاملين بالمتحف أن اسم العائلة على حقيبة سفر، وتمكن المتحف من تجميع تفاصيل حول العائلة، حيث ولدت فيرا في 11 يناير عام 1939 في عائلة يهودية تشيكية، وتم إرسالها إلى أوشفيتز في عام 1943 مع والدتها وشقيقها من الحي اليهودي في تيريزينشتات، وتم إرسال والدها، ماكس فوهريزيك، في وسيلة نقل منفصلة، وكلهم لقوا حتفهم.

ووصف كاجزر الأحذية بأنها شهادة قوية أيضًا لأن الأكوام الضخمة من الأحذية المتبقية تعطي فكرة ما عن الحجم الهائل للجرائم، وذلك على الرغم من أن ما تبقى هو مجرد جزء بسيط مما كان، فقبل أن يرسل رجال قوات الأمن الخاصة الناس إلى غرف الغاز ، أمروهم بخلع ملابسهم وقالوا لهم إنهم ذاهبون للاستحمام للتعقيم.

 

ناجية تروي قصتها 

وتروى ناجية من أوشفيتز تبلغ من العمر 90 عامًا قصتها، وتقول: "نحن قادرون على تخيل عدد الأشخاص الذين جاءوا إلى هنا، على أمل أن يتمكنوا من إعادة ارتداء هذه الأحذية بعد الاستحمام، فقد اعتقدوا أنهم سيستعيدون أحذيتهم ويستمرون في استخدامها، ولكنهم لم يعودوا أبدًا إلى أصحابها".

وتكمل: "في معظم الحالات، تم جمع الأحذية والممتلكات الأخرى والمواد المستخدمة لمساعدة الرايخ الثالث في مجهوده الحربي، وهناك 110 آلاف حذاء في مجموعة المتحف - رغم أنها ضخمة - جاءت على الأرجح من آخر وسائل النقل فقط إلى المخيم".

 

تلك تكلفة المشروع 

جدير بالذكر أن تكلفة المشروع تبلغ 450 ألف يورو (492 ألف دولار) بتمويل من مؤسسة أوشفيتز بيركيناو، والتي كانت ألمانيا مانحًا رئيسيًا لها، وكذلك المسيرة الدولية للحياة ، وهي برنامج تعليمي عن الهولوكوست.

ويقول مسئولو المتحف، إنه من المستحيل الحفاظ على الأحذية إلى الأبد، لكن الهدف هو الحفاظ عليها لسنوات أخرى قادمة، حفظنا اليوم يبطئ هذه العمليات (من الانحلال)، ولكن إلى متى ، من الصعب تحديد ذلك".