الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صادرات بـ 4.13 مليار دولار خلال 5 أشهر| تعرف على قصة نجاح صناعة السيارات بالمغرب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 

ربما أدركت المغرب أنه لا مجال من الخروج من دوامة انهيار العملة المحلية، وتخفيض الميزان التجاري، إلا عن طريق الدخول في مجالات التصنيع بقوة، وتلك السياسة يبدوا أنها أتت ثمارها مع صناعة السيارات، ومع المؤشرات الاقتصادية للأشهر الخمسة الأولى لهذا العام، فيبدوا أنه سيكون هناك ارتفاع في صادرات المغرب من السيارات، والتي حققت حتى الآن 4.13 مليار دولار، وسط توقعات بأن تصل الزيادة إلى 40% بنهاية العام، مقارنة بالعام الماضي. 

وفي وقتٍ يمثّل الاحتياطي الأجنبي تحدّياً للعديد من الاقتصادات العربية، لاسيما المستوردة للنفط والسلع الغذائية التي تشهد أسعارها تضخماً متسارعاً، ارتفع رصيد المغرب من النقد الأجنبي في عام 2022، بأكثر من 5% إلى نحو 31 مليار دولار، ويعود الفضل بذلك، بشكل أساسي، إلى "ثلاثي" السياحة، والمغتربين، والصادرات خاصةً الفوسفات والسيارات، وهنا نرصد تلك التجربة الرائدة داخل الوطن العربي. 

 

المصرف المغربي يكشف حجم مبيعات السيارات

 

ووفقا لما نشرته عدد من الصحف المغربية، فقد أفاد مكتب الصرف المغربي (مكتب تحويل العملات) بأن صادرات قطاع السيارات ارتفعت 24.4 بالمائة إلى 41.36 مليار درهم (4.13 مليار دولار) بنهاية مايو (أيار) الماضي، مقابل 33.23 مليار درهم قبل سنة، وأوضح المكتب، في نشرته الأخيرة حول المؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية، أن هذا المستوى يتجاوز ما تم تسجيله خلال الفترة نفسها بين 2018 و2021.

وعلى صعيد ذي صلة، أفادت الإحصائيات الشهرية الصادرة عن جمعية مستوردي السيارات بالمغرب، بأن مبيعات السيارات الجديدة بلغت 83 ألف وحدة برسم الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية، وأوضحت الجمعية أنه بحسب القطاعات، فقد بلغ عدد تسجيلات سيارات الخواص الجديدة 75 ألف وحدة، بانخفاض 9.58 بالمائة، في حين انخفضت تسجيلات السيارات النفعية الخفيفة بنسبة 20.48 بالمائة إلى 8652 سيارة.

 

 خريطة صناعة السيارات بالمغرب

 

وتهيمن علامة «داتشيا» على قطاع سيارات الخواص، بحصة 27.54 بالمائة من السوق، أي ما يعادل 20 ألف وحدة جرى بيعها حتى يونيو 2022، تليها «رينو» التي باعت 10 آلاف سيارة (14.41في المائة من حصة السوق)، و«هيونداي» 7535 وحدة (10.02 في المائة)، وبخصوص السيارات النفعية الخفيفة، رفعت رينو من مبيعاتها بنسبة 54.73 بالمائة لتصل إلى 2160 وحدة (24.97 في المائة من حصة السوق)، في حين باعت «دونغ فينغ سوكون» 1242 سيارة (14.36 في المائة)، وفورد 1075 وحدة (12.42 في المائة).

وفي ما يتعلق بمبيعات السيارات «الفاخرة»، باعت «أودي» 2148 وحدة في النصف الأول من السنة الحالية، بحصة 2.86 في المائة من السوق، متقدمة على «بي إم دبليو» (1405 سيارات)، ومرسيدس (1339 وحدة)، إضافة إلى ذلك، سجلت جمعية مستوردي السيارات في المغرب انخفاضا في مبيعات «بورشه» بنسبة 2.76 بالمائة إلى 176 سيارة، وتراجعا في مبيعات «جاغوار» بنسبة 34.91 في المائة إلى 69 سيارة.

 

جني ثمار التصنيع بتحسّن تغطية الصادرات للواردات

 

وبالفعل كان هناك تحسن عرفته نسبة تغطية الصادرات للواردات في الميزان التجاري المغربي؛ مع وصول نسبة التغطية إلى 61,3 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، مقابل 60,9 في المائة المسجلة نهاية ماي من العام الماضي، وفق أرقام ومعطيات رسمية لمكتب الصرف، وقد أبانت المؤشرات ذاتها تصدير المغرب ما قيمته 184.8 مليارات درهم إلى حدود نهاية مايو، مقابل استيراد 301.4 مليارات درهم في الفترة نفسها، وذلك بحسب صحيفة هسبريس المغربية

وبينما كانت الصادرات المغربية إلى الخارج طيلة الأشهر الخمسة الأولى من 2023 مدعومة بالأساس بالأداء الاستثنائي لصادرات قطاع السيارات منذ بداية العام، بقيمة مبيعات قاربت 58 مليار درهم، بزيادة 39.9 في المائة على أساس سنوي، استعادت الفلاحة والصناعات الغذائية بعضا من “وهجها المعهود” بقيمة 43 مليار درهم، مع زيادة طفيفة قدرها 0.1 في المائة.

 

الرحلة بدأت منذ عقود

 

بدأت رحلة صناعة السيارات في المغرب سنة 1959 عندما أنشأت الجمعية المغربية لبناء السيارات (صوماكا) المملوكة للدولة آنذاك أول مصنع تجميع في الدار البيضاء، واقترنت هذه الخطوة بزيادة الرسوم الجمركية على استيراد السيارات، مما أدى إلى انخفاض حاد في الواردات، وفي مرحلة الستينيات لم يشتر المغاربة سوى السيارات التي يتم تجميعها في خطوط التجميع بمصانع صوماكا، ففي عام 1962 بدأ تجميع سيارات "فيات" ثم "سيمكا" في المصانع المغربية وتم خلال تلك السنة إنتاج 2247 سيارة، وانضافت إليهما "رينو" سنة 1966 ثم "سافيم" سنة 1967 و"بيجو" 1980 و"سيتروين" في عام 1986.

وبعدها افتتحت سلسلة مصانع لإنتاج المركبات وتجميعها من قبل شركات مشهورة مثل "رينو" (Renault) و"بيجو" (Peugeot) و"بي واي دي" (BYD)، وفي التسعينيات اتجه المغرب نحو تحرير الاقتصاد، وتم تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات، مما أدى إلى تدفق السيارات المستعملة بأسعار منخفضة وجودة رديئة، ونتج عن ذلك تضاعف عدد السيارات المستعملة التي دخلت إلى البلاد، إذ بلغ عددها سنة 1992 حوالي 70 ألف سيارة يتجاوز عمرها 5 سنوات مقابل 35 ألفا عام 1991.

 

ضربة 1995 .. وكيف خرجت منها؟ 

 

هذا التوجه سبّب ضربة قوية لشركة "صوماكا" ومصانعها، إذ تراجع الإنتاج من 20 ألف سيارة سنويا إلى 8482 سيارة في عام 1995، مما جعلها مهددة بالاختفاء ومعها كل نسيج المقاولات من الباطن، وفي عام 1995 وقعت الحكومة المغربية مع شركة "فيات" (Fiat) اتفاقية لتجميع أول سيارة اقتصادية "فيات أونو"، وفي الوقت نفسه زادت الرسوم الجمركية على السيارات المستعملة، وفي عام 2003 تمت خصخصة "صوكاما" بعد توقيع الدولة المغربية اتفاقية تسمح لشركة "رينو" بأن تصبح المساهم الرئيسي فيها.

وفي مارس 2005 استحوذت مجموعة "رينو" على ملكية الشركة المغربية، واحتفل مصنع صوماكا في الدار البيضاء في نوفمبر الماضي بإنتاج سيارته المليون منذ استحواذ رينو على أغلبية أسهمه.

 

رائد قاري وإقليمي

 

ويعتبر المغرب اليوم رائدا قاريا وإقليميا في صناعة السيارات بفضل النمو المتسارع لهذا القطاع خلال العقود الماضية، إذ تمكن من ترسيخ مكانته كأول منتج للسيارات بالقارة الأفريقية، حيث يتكون نسيج قطاع صناعة السيارات الوطني من أكثر من 250 موردا لأجزاء السيارات ومصنعين اثنين للسيارات هما رينو وستيلانتس، وبفضل هذين المصنعين تنتج المملكة سيارات تصدر لأكثر من 70 وجهة عالمية، بمعدل إدماج محلي يناهز 69%.

كما يتم تصنيع سيارتين كهربائيتين من مجموعة ستيلانتس حصريا في مصنعها بالقنيطرة: "سيتروين إمي"، و"أوبل روكس إي"، وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة "رينو" مؤخرا عن تصنيعها سيارة كهربائية تدعى "موبيليز" بمصنعها في طنجة ابتداء من العام المقبل، فإن المغرب يتوفر على طاقة إنتاجية تعادل 960 ألف سيارة سنويا، 510 آلاف بالنسبة لرينو في مصنعيها بطنجة والدار البيضاء، و450 ألفا لستيلانتس في مصنعها بالقنيطرة، بعد إعلان هذا الأخير مضاعفة طاقته الإنتاجية.

 

عوامل الريادة في قطاع السيارات 

 

بدورها، تعزو وزارة الصناعة والتجارة تطور قطاع السيارات الوطني بشكل فعال وفي زمن قياسي في العقدين الماضيين إلى سلسلة من الإستراتيجيات الصناعية تتسم بالاستباقية، إلى جانب عدة مزايا يتمتع بها المغرب، من بينها:

  • موقع إستراتيجي يجعل المملكة واحدة من أهم مفترقات الطرق في العالم الرابطة بين أفريقيا وأوروبا وأميركا.
  • مناخ أعمال ديناميكي يتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي.
  • رأس مال بشري مؤهل لمواكبة الاستثمارات وخلق القيمة المضافة.
  • بنية تحتية ذات جودة عالية، بما في ذلك المناطق الصناعية والموانئ والمطارات والطرق السريعة.
  • انفتاح على السوق العالمية بتوقيع أكثر من 50 اتفاقية تجارة حرة تتيح الولوج إلى أكثر من 1.3 مليار مستهلك.
  • إطار دعم مالي وتشريعي للمشاريع الاستثمارية (مزايا ضريبية، إعانات للاستثمار والتدريب.. إلخ).
  • نسيج صناعي متماسك وفي تطور مستمر مبني على منظومات صناعية فعالة جدا وتنافسية.

 

سياق دولي مؤثر يجعل من الضروري الحذر

 

من جانبه، سجل رشيد ساري، محلل اقتصادي، ضمن قراءته لأرقام مكتب الصرف بخصوص المبادلات الخارجية، عددا من “العوامل التي تتمخض عنها الوضعية الحالية للميزان التجاري للمغرب”، مشددا على ضرورة قراءتها ضمن “سياق دولي مختلف نوعاً ما عن سياق الأشهر الخمسة الأولى من العام المنصرم”، وأشاد ساري، في حديثه لهسبريس، بما بلغته نسبة التغطية، مؤكدا على ضرورة التعامل معها بالحذر المطلوب، “لأن السنة لم تنته بعد، والحصيلة قد تتغير، نظراً لدينامية تجارية في الاقتصاد الصيني وتباطؤ نمو أوروبا، الشريك الاقتصادي الأول للمغرب في ما يخص تصدير السيارات”.

كما أورد المحلل الاقتصادي نفسه “انخفاض الفاتورة الطاقية للمملكة بعد بلوغ النفط 75 دولارا للبرميل”، واصفا إياه بـ”المعدل المناسب والمستقر”، ومستحضرا “انخفاض الفاتورة الفلاحية سنة 2022 التي سجلت عجزا تصديريا بقيمة 6 ملايير درهم، قبل أن تنتعش إلى متم ماي الماضي، ومع دخول حبوب هجينة مرحلة الإنتاج الفعلي لرفعه”.

وأبدى المتحدث تخوفاً من أن “فاتورة صادرات الفوسفاط ربما قد تشهد انخفاضا مستمرا بشكل يؤثر على نسبة تغطية الصادرات للواردات، نظرا لثمن الطن في السوق الدولية الذي عرف انخفاضا”.

واستطرد المحلل ذاته بأن “سياسة تشجيع تصنيع المنتج المحلي، مع بلوغ نسبة إدماج محلي ما بين 65 و70 بالمائة في بعض الصناعات، بدأت تعطي أكلها المرجوّ منها”، منوها بأجرأة العمل بـ”بنك المشاريع الصناعية الساعية إلى تخفيض واردات مواد استهلاكية بعينها، في ظل آفاق واعدة لقطاعات صناعية قد تصل نسبة الإدماج بها إلى 80%”.