الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحرب الروسية الأوكرانية.. هل يصبح السودان ضحية للصراع بين البلدين | تقرير

السودان
السودان

الحروب بين القوى الكبرى لا تتوقف عند حدود الطرفين المتناحرين، بل قد تتجاوز الوضع وتصبح إقليمية وربما دولية كما هو الحال في الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا أو بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، أو الجماعات الموالية لإيران والولايات المتحدة الأمريكية، فجميعها تمددت وتركت أثرا على حالة الاستقرار والسلم الدوليين.

وتستغل الدول المتناحرة كما هو الحال بين الروس والأكران الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية المشتعلة كما في السودان ومن قبله ليبيا وسوريا وغيرها من الدول؛ لتوسيع هوة القتال والتنافس فيما بينهما، وقد تدفع بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ذلك رغبة منها في تحجيم النفوذ الروسي في الإقليم وداخل القارة السمراء.

الحرب في السودان 

وبحسب "اندبندنت" عربية، يبدو أن حرب السودان بين الجيش الوطني السوداني وقوات "الدعم السريع"، بدأت باجتذاب مزيد من نيران صراع النفوذ الدولي والإقليمي، وأن لاعبين دوليين آخرين يبحثون عن أرض لتصفية حساباتهم في السودان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا سيما بعد التقارير التي تشير إلى مشاركة القوات الأوكرانية في الحرب السودانية وتوسيعها نطاق القتال ضد روسيا خارج حدودها، في وقت يشتد فيه الاستقطاب الدولي والإقليمي وصراع المحاور والموارد، مما قد  يدفع بحرب السودان إلى مسارات أوسع نطاقاً في محيط إقليمي مسكون بالهشاشة وتصدعه النزاعات أصلاً.

ونشرت صحيفة "الإيكونوميست" ما اعتبرته دليلاً على مشاركة قوات أوكرانية في حرب السودان وهو مقطع فيديو لعملية تحقيق ميدانية يجريها ضابط من القوات الخاصة الأوكرانية مع عناصر من مجموعة "فاغنر"، أحدهم روسي الجنسية، داخل السودان.

وذكر تقرير للصحيفة أن الفيديو يشير إلى جذب حرب السودان صراعات دولية، وأن أوكرانيا تعمل على توسيع نطاق قتالها ضد روسيا إلى ما هو أبعد من حدودها.

ويتفق مع هذا الرأي بعض الدبلوماسيين الغربيين ومصادر مقربة من القوات المسلحة الأوكرانية، بينما لم تؤكد أوكرانيا أو الولايات المتحدة تلك المزاعم أو تنفيها.

 وأثبتت القوات الأوكرانية وفي تطور مثير للأحداث على الخارطة الأفريقية، فاعليتها في القتال بأم درمان السودانية، لتبرز على أثر ذلك كقوة عسكرية يُحتمل تواجدها في المستقبل القريب حتى داخل طرابلس الليبية أيضا، وذلك تحت إطار التوافق مع الولايات المتحدة.

في السياق ذاته، تزايد الجدل حول الاتفاقيات السرية التي قد تُمهد الطريق نحو عمليات عسكرية للقوات الأوكرانية في السودان كشرط لاستمرار الدعم الأمريكي لكييف في صراعها ضد موسكو.

كما أكد رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، لأول مرة الشائعات التي تحدثت عن أن أوكرانيا تنشر وحدات خاصة في السودان، ويزعم: إن الهدف "تدمير" العدو الروسي في كل مكان يمكن تصوره على وجه الأرض.

على صعيد ذي صلة، صرح النائب الأوكراني أليكسي جونشارينكو عن استعداد بلاده لإظهار حضورها في المواجهات الدولية بالتعاون مع حلفائهم الأمريكان، مؤكدًا "الأهمية الاستراتيجية للقوات الأوكرانية التي تتأهب للمشاركة على الساحة العالمية".

من جانب آخر تُشير أهداف التدخل الأوكراني في الشؤون الأفريقية إلى أهداف استراتيجية خاصة بإحكام السيطرة على تجارة الذهب والتحكم بتدفق الأسلحة، كما ألمح ألكسندر خارا من مركز الاستراتيجيات الدفاعية بكييف.

واستطاعت القوات الأوكرانية، وفق تغطيات إعلامية، تأكيد قدراتها القتالية في السودان وساهمت في حسم معركة أم درمان.

وتعد هذه الإنجازات بمثابة دليل على إمكانية التدخلات المتبادلة المستقبلية في القارة الأفريقية تحت راية التحالف الأمريكي.

وفي ظل التحركات الجديدة، يلاحظ المراقبون انبثاق ملامح خريطة تحالفات عسكرية جديدة قد تلعب دورا حاسما في إعادة صياغة موازين القوى إقليميًا.

ومن الجلي أن الأيام المقبلة ستكشف الدور الذي قد تلعبه الوحدات الأوكرانية في انفلات الوضع داخل أفريقيا.

وأفادت تقارير صحفية، بأن "قوات خاصة أوكرانية تعمل في السودان ضد مرتزقة "فاجنر" الروس المتحالفين مع قوات الدعم السريع المتمردة"، وفقًا لمقطع فيديو نُشر في وقت سابق.

وبثت (كييف بوست)، في مقال حصري بعنوان "القوات الخاصة الأوكرانية تستجوب مرتزقة فاغنر في السودان" فيلما قصيرا، قالت إنها تحصلت عليه من مصادر داخل "المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية"، ويظهر فيه "سجين روسي أسير يتم استجوابه إلى جانب رجلين أفريقيين".

ويقول الجندي الروسي، إنه من مجموعة (بي إم سي فاغنر)، وجاء إلى السودان قادما من جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتمركز مقاتلون من المجموعة الروسية، "لإسقاط الحكومة المحلية" بقوة قوامها نحو 100 فرد.

ومع ذلك، فقد ظهر الأمر بعد أشهر من تكهنات بأن القوات الأوكرانية تعمل في السودان كجزء من حملة ناشئة تشنها كييف لضرب المصالح الروسية خارج الخطوط الأمامية للحرب بين الطرفين.

ورجحت شبكة (سي إن إن) الأمريكية في تقرير بثته في شهر سبتمبر الماضي وجود “قوات أوكرانية خاصة نفذت سلسلة من الهجمات باستخدام طائرات مسيّرة، إضافة إلى عملية برية، ضد قوات الدعم السريع في السودان المدعومة من قبل مجموعة فاغنر الروسية"، وذلك استنادا إلى "مقاطع فيديو" تظهر أن "هجمات نفذت ضد قوات الدعم السريع تحمل بصمات الجيش الأوكراني".

وسبق وأكد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب في تقرير سابق له، أن المخاوف تتزايد من أن السودان الآن في "حرب باردة" بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث يوسع الكرملين نفوذه غرباً في نفس الوقت الذي وسع فيه الناتو نفوذه شرقاً مع انضمام فنلندا إلى الحلف.

إذ بات جلياً في الآونة الأخيرة المساعي المشتركة للغرب وروسيا لكسب دوائر تأثير جديدة في إفريقيا، ومنها السودان بطبيعة الحال، وهو ما تعزز بشكل ملحوظ منذ بِدء الحرب الروسية – الأوكرانية.

ويمثل السودان حلقة استراتيجية مهمة تربط بين منطقتي شرق إفريقيا والساحل والصحراء، فهناك مخاوف من الاشتباكات المتواصلة بين القوات المسلحة وبين قوات الدعم السريع ألا تقتصر على الداخل السوداني بل تمتد إلى مستويات إقليمية ودولية، رغم المواقف الدولية المعلنة التي تشدد على ضرورة إبقاء الأزمة في إطارها السوداني، ورفض التدخلات الخارجية.

لكن الأهمية الجيواستراتيجية التي يتمتع بها السودان خصوصاً في ظل سعي أطراف الصراع إلى توفير داعمين إقليميين ودوليين يمكن أن يتحول السودان إلى ساحة استقطاب دولي بين روسيا والغرب.

وشكلت الحرب الأوكرانية أحد محددات التدافع الغربي – الروسي على إفريقيا منذ بدايتها في 24 فبراير 2022؛ إذ يسعى الجانب الروسي إلى كسر العزلة الدولية المفروضة عليه بفعل العقوبات الغربية عبر تعزيز شبكة العلاقات والتفاعلات الخارجية مع الدول الإفريقية لبناء تحالفات استراتيجية.

وفي المقابل، يسعى الغرب لتعويض النقص الحاد في إمدادات مصادر الطاقة الروسية عبر تعزيز الصلات مع دول القارة الإفريقية، التي تذخر بنحو (8%) من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم؛ ففي عام 2021 بلغ إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في إفريقيا ما يزيد عن (620) تريليون قدم مكعبة، كما تمتلك نحو (12%) من احتياطيات النفط في العالم؛ ففي عام 2021 قُدِّر احتياطي القارة من النفط الخام بنحو (125.3) مليار برميل.

سعت الولايات المتحدة لتعزيز الصلات مع إفريقيا لمناوأة الوجود الروسي – الصيني المتنامي خلال السنوات الأخيرة، ولعل هذا ما جعل إدارة الرئيس الأميركي "بايدن" تدشن استراتيجية جديدة تجاه إفريقيا، وهي الاستراتيجية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي خلال جولته الإفريقية في أغسطس 2022، كما سعت الإدارة الأميركية لتعزيز صلاتها بإفريقيا عبر عقد "القمة الأميركية – الإفريقية" الثانية التي استضافتها العاصمة الأميركية "واشنطن" في ديسمبر 2022.

على نفس السياق، تسعى روسيا لتعزيز نفوذها في إفريقيا عبر التركيز على تقديم نفسها كبديل استراتيجي مناسب للنفوذ الغربي، وتحديداً الفرنسي، الذي تراجع بشكل ملحوظ في العديد من مناطق النفوذ التقليدية، من قبيل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وغيرها، وتعتمد في ذلك على العديد من الأدوات الرئيسية، وعلى رأسها شركات الأمن الخاصة، وتحديدا مجموعة "فاغنر".