منذ سنوات قليلة فقط، كان المواطن المصري حين يواجه مشكلة أو أزمة في أي مرفق أو مؤسسة خدمية، يجد نفسه أمام جدار من البيروقراطية والروتين وتعقيدات الإجراءات التي قد تستغرق شهورًا دون جدوى. كان الشعور السائد وقتها أن صوت المواطن ضعيف، وأن الشكوى لن تتجاوز باب المكتب الذي قُدمت فيه، وهو ما خلق فجوة بين الناس والدولة وزاد من حالة عدم الرضا. لكن اليوم، ومع إطلاق مجلس الوزراء المصري لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، اختلف المشهد كليًا، وأصبحت هناك آلية مؤسسية وفعالة تضمن أن يصل صوت المواطن إلى أعلى المستويات وأن يجد استجابة سريعة وملموسة.
هذه المنظومة التي تعمل عبر أكثر من قناة، بدءًا من الخط الساخن 16528 مرورًا بالبوابة الإلكترونية ووصولًا إلى تطبيق الهاتف المحمول، لم تُنشأ كرفاهية أو مجرد خدمة إلكترونية عابرة، بل جاءت كتعبير عن إرادة سياسية حقيقية لتكريس مبدأ العدالة والشفافية، وإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة على أساس من الثقة المتبادلة. المواطن يسجل شكواه، والمنظومة تحيلها في الحال إلى الجهة المعنية، والفريق المتخصص يتابع بشكل لحظي حتى يتم غلق الشكوى بالحل أو الرد. هنا لم يعد المواطن يشعر أنه يصرخ في فراغ، بل يرى بعينيه أن ما يكتبه أو يقوله له قيمة وأن مشكلته وجدت من يصغي إليها.
اللافت أن الأرقام التي تعلنها الحكومة بانتظام حول أداء المنظومة تعكس حجم الإنجاز الكبير.
ملايين الشكاوى في مختلف المجالات؛ من الصحة والتعليم إلى التموين والكهرباء والمياه والطرق، مرورًا بكل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. الأكثر أهمية أن نسبة عالية جدًا من هذه الشكاوى وجدت طريقها إلى الحل في مدد قياسية مقارنة بالماضي. وهذا لم يكن ليحدث لولا وجود متابعة مركزية من مجلس الوزراء، ولولا أن هناك تعليمات واضحة من القيادة السياسية بأن خدمة المواطن هي الهدف الأول والأخير لأي مؤسسة حكومية.
المنظومة لا تقدم حلولًا للمشكلات فقط، بل تكشف مواطن الخلل والقصور في الجهاز الإداري للدولة.
فعبر الشكاوى المتكررة في قطاع معين يمكن للمسؤولين أن يحددوا مواطن الضعف، وأن يتخذوا إجراءات إصلاحية عاجلة، وهو ما جعل المنظومة أداة رقابية بامتياز، تمكّن المواطن العادي من أن يكون طرفًا في عملية الإصلاح، وتساعد الدولة في مواجهة الفساد والإهمال. هذه الشفافية في التقييم والمتابعة لم تكن موجودة من قبل، واليوم أصبحت جزءًا من فلسفة العمل الحكومي.
ومع تراكم التجارب، أصبحت منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة بمثابة جسر ثقة حقيقي بين المواطن والدولة.
فالمواطن الذي كان يائسًا من أن يسمع أحد شكواه، بات يثق أن حكومته تستجيب له وتتحرك لأجله، وأن صوته له قيمة، وهذا في حد ذاته مكسب سياسي واجتماعي لا يقل أهمية عن أي إنجاز اقتصادي أو بنية تحتية.
فالثقة هي حجر الأساس في استقرار المجتمعات، والدولة التي تنجح في استعادة ثقة مواطنيها هي دولة تملك القدرة على المضي قدمًا في مسيرة التنمية.
وفي هذا السياق، يبرز دور الإعلام في دعم هذه الرؤية ونقلها للمواطنين بشفافية ومصداقية. وهنا لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي يقوم به الأستاذ هاني يونس، المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء، الذي يقدم نموذجًا محترمًا في الأداء الإعلامي القائم على الوضوح والشفافية. لقد نجح في أن يكون همزة وصل حقيقية بين الحكومة والرأي العام، فحرصه الدائم على توضيح الحقائق والرد على الشائعات وإظهار الجهود الحكومية بموضوعية، ساهم بشكل مباشر في تعزيز صورة الدولة لدى المواطنين، وفي إقناع الناس أن هناك إرادة جادة للتغيير وأن الحكومة ليست بعيدة عن همومهم. هذا الأداء الإعلامي المحترم، المتسم بالهدوء والمصداقية، جعل من الأستاذ هاني يونس نموذجًا يجب أن يحتذى به في كيفية إدارة الاتصال الحكومي.
اليوم يمكن القول إن منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة لم تعد مجرد خدمة إدارية أو وسيلة إلكترونية لتسجيل الاعتراضات، بل أصبحت أحد ركائز بناء الجمهورية الجديدة، وأحد أعمدة العلاقة الحديثة بين المواطن والدولة. هي عقد جديد يقوم على أن المواطن شريك، وصوته مسموع، ومشكلته محل اعتبار. وهي في الوقت نفسه منصة ذكية تستفيد منها الدولة لتطوير أدائها وتلافي الأخطاء. وبذلك تتحول المنظومة إلى دائرة مغلقة من الثقة المتبادلة: المواطن يشتكي، الدولة تستجيب، الأداء يتحسن، والثقة تزداد.
من هنا، يصبح من الواجب التأكيد أن منظومة الشكاوى الحكومية ليست مجرد إنجاز إداري أو تقني، بل هي تحول ثقافي وفكري في كيفية تعامل الدولة مع مواطنيها. إنها تجسيد عملي لفكرة أن المواطن هو الهدف، وهو المستفيد، وهو محور كل خطط التنمية. ومن هنا أيضًا، فإن استمرار دعم هذه المنظومة وتطويرها يعد استثمارًا في بناء علاقة صحية بين الشعب والدولة، علاقة قوامها الثقة والاحترام المتبادل والشفافية الكاملة.
ولعل أجمل ما يمكن أن يُقال ختامًا، إن هذه المنظومة انتصرت للمواطن، وأثبتت أن الدولة حين تريد تستطيع، وأن الإصغاء إلى الناس وحل مشكلاتهم هو المدخل الحقيقي لأي إصلاح، وهو الطريق الأقصر لبناء وطن قوي يحيا فيه الجميع بكرامة وعدالة وإنصاف.