قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

إبراهيم شعبان يكتب: الحاجز.. فجوة الفكر بين القدامى والأطفال والشباب

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

كثيرون قد يجدون هذا المقال مختلفًا عن كتاباتي السابقة التي ركزت غالبًا على السياسة والشأن العام. لكنه في الواقع ليس مختلفًا، بل هو امتداد للشأن العام والسياسي أيضًا، لأنه يتناول فجوة الفكر بين القدامى وجيلي الأطفال والشباب. والقدامى هنا – وأنا واحد منهم – هم أولئك الذين تجاوزوا الأربعين من عمرهم، ومن بعدهم، هؤلاء الذين لم يتكيفوا بعد مع ما حدث خلال الخمسة عشر عامًا الماضية من ثورات وتغيرات هزت مفاهيم القيم والأخلاق والحياة.
ما أعنيه أن السنوات الخمسة عشر الماضية خلقت فجوة هائلة بين ثلاثة أجيال، الأطفال: حتى عمر 16 عامًا، والمراهقون والشباب: من عمر 16 حتى منتصف الثلاثينيات، والجيل الأكبر ممن تجاوز الثلاثينيات وما بعدها.
وهكذا أصبح لدينا ثلاث مدارس مختلفة للحياة والفكر، تختلف تمامًا عن بعضها البعض. والأسباب وراء ذلك متعددة: سياسية، اقتصادية، وثقافية، أبرزها ثورة المعرفة وانفجار الذكاء الاصطناعي.
انهيار منظومة القيم
وإذا توقفنا عند كل سبب، نجد فجوة حقيقية في منظومة القيم. فما نؤمن به نحن من قيم أخلاقية ودينية أصبح بعيدًا إلى حد كبير عن الأجيال الصغيرة والشابة. ونحن كآباء نجد صعوبة كبيرة في نقل هذه القيم، ليس فقط لأننا لا نفهم عالمهم، بل لأنهم تربوا على الهواتف المحمولة والتابلت وأصبحوا صانعي محتوى على السوشيال ميديا، ومتابعين لديهم أبطالهم وعوالمهم الخاصة، التي تخرج وتتفجر من هذه الوسائل.
لنواجه الحقيقة: هل النجوم الكبار الذين نؤمن بهم نحن، هم أنفسهم الذين يؤمن بهم هؤلاء الأطفال والشباب اليوم؟ بالطبع لا. بل يؤمنون بكثير من صانعي المحتوى التافهين .. معدومي الثقافة والضمير هؤلاء الذين أصبحوا أبطالًا ونماذج وقدوة لجيل الأطفال والشباب، ذكورًا وإناثًا، ويشكلون وعيهم وهم يقضون سنوات تكوينهم الأولى أمامهم، يتأثرون بألفاظهم ووقاحتهم وجرأتهم وانحرافاتهم، ما قد يؤدي إلى جيل متبلد الإحساس، مؤمن بالعنف، ومتأثر بالممارسات السلبية، وهو واقع غير مسبوق.
مظاهر الجشع والعنف
كما أن العصر الحالي، يقوم للأسف على الجشع والمظاهر المستفزة: أطفال وشباب يحلمون بالثراء الفاحش وامتلاك سيارات باهظة الثمن، ويظنون أن كل شيء ممكن، وهم يرونه في الشارع، وهو كذلك بالفعل وفي هذا الزمن عبر إنشاء حساب ناجح على تيك توك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي!!
أيضا لغة التواصل الاجتماعي بينهم، ليست مجرد لغة غريبة أو شعبية أو في أحيان كثيرة منحطة، بل هي لغة مليئة بالحقد والبلطجة والعنف والسخرية والتنمر، ما يعكس فجوة لا يمكن إنكارها في منظومة القيم.
الدين وغياب القدوة
كما أن غياب الداعية العصري والخطاب الديني الوسطي الجاذب، الذي يجذب الآلاف والملايين أسبوعيًا، أوجد جيلًا فارغًا من القيم النبيلة والسامية، وهذه كارثة سنحصدها غدًا وخلال 10 سنوات من الآن.
القصة في رأيي تحتاج إلى ثورة إعلامية وتربوية ودينية تبدأ من:
-مدرسة تراعي العصر: ومناهج تتحدث بلغة الذكاء الاصطناعي وثقافة زمنهم بشكل تربوي وأخلاقي وجديد.
-وإبراز نماذج البطولة والشجاعة من الماضي، دينيا وفنيا ومن الواقع، نماذج لأطباء وعلماء ومهندسين وأدباء نجحوا داخل مصر وخارجها، لأنهم قدموا ما يفيد الناس وما أفادهم هم فيما بعد. 
ولا يمكن ولا يعقل أن يكون مثلا الممثل محمد رمضان، أيقونة لملايين الأطفال والشباب بينما لا يعرفون رموزنا الفنية من الجيل السابق أمثال عادل إمام، نور الشريف، أحمد زكي، ويتعلقون مثلا بروبي ورحمة محسن، بينما لا يعرفون وردة ونجاة وقبلهن بالطبع أم كلثوم وليلى مراد، ورواد ورائدات الأغنية المصرية العاطفية.
-مطلوب مراجعة النماذج والقيم المتداولة وتحليل الأفكار والقيم التي يتبناها هؤلاء الأطفال والشباب، ومعرفة مصادر معلوماتهم والنماذج التي يتمثلونها ويريدون أن يصبحوا مثلها.
تحليل الواقع وفهم الأجيال
لا يمكن أن نقنع أنفسنا، بأن جيل الأطفال والشباب اليوم ، يحملون نفس أفكارنا أو يؤمنون بنفس القيم والمعايير التي نشأنا وتربينا عليها. إنهم يعيشون زمنًا يختصر كل شيء في ثوانٍ معدودة، ومن الطبيعي أن تتأثر قيمهم ومفاهيمهم ورؤيتهم بذلك.
وإذا أردنا بعد عشر سنوات من جيلًا رشيدًا يعرف المسؤولية وأوجاع الوطن ومشكلاته، فلا يمكننا اليوم أن نطلب منهم التوقف عن عصرهم، وملاحقة قفزاته لكن الصواب أن نطلب من أنفسنا، تحليل ما يحدث، ومعرفة ما يفكرون فيه، والدخول إلى عوالمهم الغريبة، لترشيد أفكارهم، ومعالجة انحرافاتها وتقديم الجيد من النماذج وحذف المشبوه والمريض والعنصري من شاشاتهم.