قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. أمل منصور تكتب: هل يمكن للحب أن يعود أجمل مما كان أم أن ما يكسر يعود ناقصا؟

د. أمل منصور
د. أمل منصور

هناك لحظات في الحياة نكتشف فيها أن الحب ليس مجرد شعور، بل مساحة حساسة بين الأمان والجرح، بين الثقة والانكسار. عندما تتعرض علاقة ما للخدش، سواء بسبب سوء تفاهم، خيانة، أو فقدان للثقة، يطرح السؤال نفسه على كل من كان قلبه معلقًا بهذا الحب: هل يمكن لهذا الحب أن يعود كما كان، بل وأجمل، أم أن الجروح تترك أثرها الدائم، وتجعل أي محاولة للعودة ناقصة؟

الحب، بطبيعته، يحمل في طياته كل ما هو هش وعميق. الهشاشة تأتي من تلاقي قلبين مختلفين في الاحتياجات، والطموحات، والفهم. وعندما يتعرض أحدهما للألم، تتغير الرؤية، تتغير الطريقة التي يُرى بها الآخر، ويصبح من الصعب أن تعود الأشياء كما كانت بلا أثر. هذا لا يعني أن العودة مستحيلة، بل يعني أن العودة تحتاج إلى وعي أكبر، نضج أعمق، واستعداد لتقبل أن ما مضى قد ترك أثره، وأن العلاقة الجديدة لن تكون نسخة مطابقة للماضي، بل نسخة مُعاد صياغتها بحذر وفهم جديد.

في كثير من الحالات، يحاول البعض إعادة إحياء الحب القديم بنفس الطريقة التي بدأ بها، بنفس التوقعات، وبنفس الصورة التي رسموها في أذهانهم. لكن الواقع يفرض قواعد مختلفة. الحب الذي تعرض للكسر لا يمكن أن يعود بلا جروح، لكن يمكن أن يعود أقوى إذا تم التعلم من الأخطاء، إذا تم الإصغاء بعناية أكبر، وإذا تم تبني صبر جديد على المساحة التي يحتاجها كل طرف ليشعر بالأمان مرة أخرى. أحيانًا، يصبح الانكسار فرصة لإعادة البناء، فرصة لرؤية الآخر بعين جديدة، فرصة لفهم ما هو أهم وما يمكن التغاضي عنه.

التحدي الأكبر في العودة هو الاعتراف بالجرح، وعدم محاولة التظاهر بأن شيئًا لم يحدث. الكثيرون يحاولون تجاهل الماضي، معتقدين أن التجاهل سيعيد الأمور إلى طبيعتها. لكن الحب الحقيقي يتطلب مواجهة الألم، احتضانه، ومعرفة كيف أثر في القلب، وكيف يمكن تجاوزه معًا. بدون هذا الاعتراف، أي محاولة للعودة ستظل ناقصة، وستظل العلاقات عرضة للإعادة المتكررة لنفس الأخطاء.

من جهة أخرى، هناك من يجد أن الحب بعد الانكسار يمكن أن يكون أجمل، ليس لأنه عاد بنفس البراءة التي بدأ بها، بل لأنه عاد بنضج أكبر، بتقدير أكبر للتفاصيل الصغيرة، وبوعي أكبر للاختلافات. الحب الذي اجتاز الصعاب يتعلم الصبر، التفاهم، والتسامح بعمق أكثر. يصبح الحب تجربة متطورة، حيث يعرف كل طرف أن المحافظة عليه تتطلب مجهودًا واهتمامًا دائمين، وليس مجرد شعور لحظي.

لكن هذا لا يمنع أن هناك من يشعر بأن الحب بعد الكسر قد فقد جزءًا من روحه، وأن أي محاولة للعودة ستظل ناقصة مقارنة بما كان. هذا الإحساس ليس خاطئًا، بل هو انعكاس للخيبة السابقة، للجرح العاطفي الذي لم يُشفى بعد. المهم هو أن يدرك كل طرف ما إذا كان قادرًا على العطاء مرة أخرى دون شعور بالاحتياط المفرط، أو الحذر الذي يحول العلاقة إلى تجربة دائمة من الخوف من الانكسار.

في النهاية، يمكن القول إن الحب لا يعود أبدًا كما كان، لكنه يمكن أن يعود أجمل إذا تم التعامل مع الجرح بوعي، ومع التعلم من الماضي بحكمة، ومع تبني صبر ناضج على مسار العلاقة. الحب ليس مجرد شعور، بل فعل التزام، احترام، وصبر مستمر. يمكن أن يكون العودة فرصة جديدة للتواصل الأعمق، للفهم الحقيقي، ولخلق مساحة أكبر للحب أن ينمو في ضوء التجارب السابقة. ما يُكسر لا يعني نهاية الطريق، لكنه يضع الأسس لعلاقة أكثر وعيًا ونضجًا، إذا اختار الطرفان أن يكونا صادقين مع أنفسهما ومع بعضهما البعض.

إن القدرة على إعادة بناء الحب بعد الكسر تعتمد على استعداد كل قلب للتعلم، على الجرأة في مواجهة الألم، وعلى الرغبة في رؤية الآخر بشكل مختلف، بعين ترى النضج، لا المثالية. الحب الذي يعود بهذه الطريقة، حتى وإن كان مختلفًا عن البداية، يحمل في طياته جمالًا جديدًا، لأنه نتاج تجربة حقيقية، ليس مجرد حلم رقيق. هذا الحب الجديد، القائم على فهم عميق واحترام متبادل، يمكن أن يكون أكثر ثراءً، وأكثر قدرة على الصمود، وأكثر قدرة على أن يزرع الأمل في القلوب، بدل أن يتركها تائهة بين الماضي والحاضر.

في التجربة اليومية، نرى أزواجًا مروا بخلافات وانفصال مؤقت، ثم عادوا لبعضهم البعض بعد وعي أكبر، فكانت علاقتهم أكثر استقرارًا ودفئًا، مقارنة بما كانوا عليه في البداية. الحب الذي عاد بهذه الطريقة لم يكن نسخة من الماضي، بل كان نسخة ناضجة وجديدة، أقوى وأكثر قدرة على العطاء.

الحب، في جوهره، فعل إيمان. والثقة هي صلته الأولى. ومن يختار أن يعيد بناء الثقة بعد الكسر، يفتح الباب أمام حب أجمل، وإن اختلف عن ما كان.