في أجواء مفعمة بالفن والوفاء، شهدت الدورة الحادية والأربعون من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ندوة تكريم للفنان الكبير رياض الخولي، استهلت بعرض فيلم وثائقي يستعرض أبرز محطاته الفنية، وسط حضور مميز من نجوم الشاشة، من بينهم الكاتب عبد الرحيم كمال، والفنان خالد زكي، وأميرة فتحي.
جلس الخولي أمام جمهوره كمن يستعيد فصول رحلة طويلة، وقال بنبرة يغلب عليها الامتنان:
“لم تكن رحلتي سهلة، كانت حافلة بالتحديات، مملوءة بالطلعات والنزلات. وبعد ثمانية عشر عامًا من تخرجي بدأت العمل بجدية، مستندًا إلى الصبر والإيمان بالله وبموهبتي. لم أفقد الثقة يومًا رغم تقلبات الواقع، وظللت أؤمن بالنصيب والقدر. واليوم، وأنا أنظر إلى الوراء، أشعر بالرضا، لأن هذه الرحلة صنعت ذاتي ومنحتني حقيقتي.”
ثم عاد بذاكرته إلى البدايات قائلاً: “المسرح كان ملاذي الأول، لكن معظم ما قدمته على خشبته لم يُوثق بالصورة. كنت أخشى أن أُحسب على عمل واحد، وجئت في زمن شهدت فيه السينما تحولًا كبيرًا مع بروز جيل جديد يقوده محمد هنيدي، ولم يكن لي مكان واضح وقتها، إلى أن جاءت سنة 1996، وكانت نقطة التحول في مشواري.”
وكشف بابتسامة عن حوار دار بينه وبين ابنته: “سألتني مرة: لماذا لا تركز على السينما؟ فأجبتها أن التلفزيون بالنسبة لي يحمل نفس القيمة. كثير من العروض رفضتها لضعف مستواها، فلم أغلب المال يومًا على القيمة، ولم أقبل بعمل لا يضيف إليّ.”
ولم يخلُ حديثه من روح الدعابة، حين استعاد تعاونه مع الكاتب عبد الرحيم كمال، قائلاً:
“عندما شاركت في أحد أعماله، قرأت عشر حلقات ولم أجد نفسي، فاتصلت به مازحًا: هل خدعتني يا عبد الرحيم؟ فأجابني مطمئنًا، وبالفعل تحوّل الدور إلى محطة مؤثرة في مسيرتي.”
واسترجع الخولي أيام التخرج عام 1976 قائلاً: “جيلي انقسم إلى ثلاثة طرق: من استوعب الواقع وانطلق، ومن يئس وغيّر طريقه أو سافر، ومن تمسك بالحلم وواصل، وأنا كنت من الفئة الثالثة.. نحن الذين بقينا حتى اليوم.”
وعن مسلسل "قهوة المحطة" الذي شارك فيه مع الفنان الشاب أحمد غزي، أوضح: “الدور لم يكن كبيرًا، لكنه كان مهمًا. شاركت لأنني مؤمن بقيمة العمل، وسعيد بأنه جمعني مجددًا بعبد الرحيم كمال. وعندما رأيت أحمد غزي لأول مرة قلت: هذا الشاب هو نجم مصر القادم.”
كما تحدث عن فترة إدارته للمسرح الكوميدي، معتبرًا إياها تجربة غنية وإن تركت أثرها على مسيرته الفنية، لكنها أمدته بخبرة واسعة في فهم خبايا الوسط. وعن ظهوره الإعلامي قال بحزم:
“مكاني على الشاشة، لا في الحوارات الإعلامية. لكنني أنصت لكل نقد، حتى السلبي منه، لأنه يمنحني فرصة للتعلم.”
من جانبه، عبر الكاتب عبد الرحيم كمال عن امتنانه لتجربة العمل مع الخولي، قائلاً: “رياض فنان مثقف، صاحب تاريخ طويل. في 'جزيرة غمام' قدّم دورًا معقدًا بمهارة عالية، وأنا مدين له لأنه قبل المشاركة في 'قهوة المحطة' فقط لأجلي، وهو فنان محترم بكل المقاييس.”
أما الفنان خالد زكي فقد تحدث بعاطفة صادقة: “شهادتي في رياض مجروحة، فهو أخ عزيز قبل أن يكون فنانًا. قدير، خلوق، صريح ومتعاون. جمهوره يحبه لأنه صادق مع نفسه ومع فنه، ومنذ بداياته وحتى اليوم وهو يقدم فنًا راقيًا يليق باسمه.”
وفي ختام الندوة، تقدمت ابنة رياض الخولي بكلمة مؤثرة، قالت فيها: "والدي فنان عظيم وطيب القلب، لطالما استشارني في أدواره. وأتمنى أن تكون المواد الفنية كالموسيقى والتمثيل جزءًا من مناهجنا الدراسية، لأنها تصنع من الإنسان إنسانًا قادرًا على التفكير والتعبير.