دمنهور.. تلك المدينة الجميلة في قلب الدلتا، صاحبة الجذور الحضارية الممتدة إلى الفراعنة، والعبَق التاريخي المنثور بين جنباتها وأركانها .. وحتى إسمها "الفرعوني" الذي كان له نصيب من الحضارة وقسمة من التحضُر والثقافة والوعي.
في القاهرة - العاصمة - تأسست دار الأوبرا العريقة، وفي دمنهور أيضًا تأسست أوبرا دمنهور - خالصةً لها ولمحافظة البحيرة فقط - كمنارة للإبداع والثقافة، وصرح شامخ يستقبل أهم المبدعين والفنانين على مستوى الوطن العربي.
دمنهور مدينة تعشق الثقافة، تموجُ في طيَات الفن والأدب ويحكي عنها التاريخ كثيرًا من الشيخ محمد عبده، وتوفيق الحكيم، والبارودي، والمسيري، وزويل.. وغيرهم من المبدعين بلا حصر أو عدد .. فاستحقت دمنهور أن تكون لها ميزات ثقافية على قدر الاهتمام وبحجم الأصالة والعراقة.
في دمنهور، تنطلق غدًا شعلة ثقافية جديدة متمثلة في «معرض دمنهور الدولي للكتاب» هذا المحفل الذي يلقى اهتمامًا كبيرًا لدى أبناء محافظة البحيرة الذين يجدون ضالتهم ويشبعون شغفهم كل عام في أروقة المعرض - الذي لا يختلف في كينونته وتفاصيله عن معرض القاهرة الدولي للكتاب - ولكن في صورة أقل مساحة، ونتمنى أن تزيد ليصبح معرضًا دوليًا في السنوات القادمة يستقطب رواد الإبداع من كل العالم.
معرض دمنهور الثامن للكتاب، والذي تفتتحه الدكتور جاكلين عازر - محافظ البحيرة، صباح غد الخميس، بحضور السيد رئيس الهيئة العامة للكتاب والأستاذ الدكتور رئيس جامعة دمنهور، يضم 23 دار عرض ونشر إلى جانب عدد من الهيئات الثقافية والجامعات والمؤسسات التعليمية، كما يتضمن المعرض العديد من الفعاليات الثقافية والفكرية المتنوعة من ندوات وأمسيات وحفلات.
ومن جميل الطالع، أن يكون على رأس الإدارة التنفيذية لمحافظة البحيرة، مسؤولًا يعرف القيمة الثقافية لهذا الحدث وغيره من الفعاليات التي تتشكل بها هوية البلد وتؤثر في الوعي الجمعي للمواطنين، وقد سرّني ما وجدتُ من اهتمام متزايد من جانب محافظ البحيرة هذا العام بمعرض دمنهور للكتاب، وهي النظرية التي لا أنفك عن الإيمان بها والدعوة إليها بتوجيه الاهتمام الإعلامي إلى الفعاليات التوعوية والتثقيفية حتى وإن كان مريدوها أقل عددًا، فـ تغيير الذوق العام لن يتم إلا من خلال الانتقاء للهادف ولفظ كل ما هو رث ورديء.
معرض دمنهور للكتاب، وإن بدى في ظاهره حدث محلي، لكنه شعاع قد يكسر حاجزه الضيق إلى فضاءات متسعة، عابرًا حدود الجغرافيا إلى آفاق التاريخ.
ما نتمناه، أن يتم ترجمة هذا الاهتمام المحمود من جانب الدكتورة جاكلين عازر إلى خطة محكمة لتدويل هذا المعرض، ووضعه على خارطة الفعاليات الثقافية ذات الطابع الخاص والمميز اتساقًا مع طبيعة دمنهور وطبع شعبها العاض للإبداع.