قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. خالد قدري يكتب: تعزيز الثقافة التنظيمية فى الجامعات.. من إدارة القيم إلى الإدارة بالقيم

د. خالد قدري - أستاذ إدارة الأعمال وعميد كلية التجارة السابق – جامعة عين شمس
د. خالد قدري - أستاذ إدارة الأعمال وعميد كلية التجارة السابق – جامعة عين شمس

تلعب الثقافة التنظيمية دوراً رئيسياً فى نجاح المنظمات على اختلاف أنواعها وبيئاتها. ففى استطلاع قامت به شركة بريس واتر هاوس عام 2022 وجدت أن 69% من القادة يرون الثقافة التنظيمية عاملًا مؤثراً فى نجاح مؤسساتهم، بينما أشار 81% أنها تمثل ميزة تنافسية واضحة. كما أوضحت تحليلات مؤسسة ماكينزى العالمية أن المنظمات التى حققت أعلى مستوى فى مؤشر الصحة التنظيمية استطاعت أن تضاعف عوائد مساهميها ثلاث مرات مقارنة بالمنظمات التى حققت أقل مستوى فى المؤشر نفسه. ومن ثم تعد الثقافة التنظيمية الصحيحة أحد أفضل المؤشرات للتنبؤ بالأداء طويل المدى.
فى هذا الإطار، تُعد إدارة القيم المؤسسية المختلفة – من النزاهة والعدالة إلى الشفافية والمسؤولية – ضمانة أساسية لتحقيق التميز والعمل فى بيئة صحية ومستقرة. غير أن التساؤل الجوهرى يظل مطروحاً: هل يكفى أن نمارس إدارة القيم كعناصر متفرقة، أم أن المطلوب أن تتحول إلى منظومة شاملة تُوجّه كل من القرارات والممارسات جميعاً؟ فإدارة القيم قد تعنى أن لكل مجال داخل المؤسسة قيمة خاصة به؛ مثل النزاهة فى الرقابة المالية، أو العدالة فى توزيع المكافآت، أو الشفافية فى التعيينات. ورغم أن هذا النهج إيجابى، إلا أنه قد يؤدى إلى تجزئة القيم وكأنها جزر منفصلة. أما الإدارة بالقيم فهى توجه فلسفى مغاير للمؤسسة ككل، إذ تجعل القيم إطاراً مرجعياً يوجه جميع القرارات والممارسات. فعلى سبيل المثال، حين تُمارس إدارة القيم قد تُطبق العدالة فقط فى تقييم الأداء، بينما فى الإدارة بالقيم تصبح العدالة مبدأً شاملاً يمتد إلى تقييم الأداء، وتوزيع الموارد، واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وبناء العلاقات بين جميع منتسبى المؤسسة.
الجامعات… الساحة الأوسع لترسيخ القيم
إذا كانت المؤسسات جميعها معنية بترسيخ القيم فى قراراتها وممارساتها، فإن الجامعات تعد الساحة الأوسع والأكثر تأثيراً فى هذا الشأن. فالجامعات ليست مجرد أماكن للتعليم ونقل المعرفة، بل بيئات تحتضن ملايين الشباب فى أهم مراحل التكوين الفكرى والشخصى، وتشكل البوابة الرئيسية لإعداد أجيال جديدة قادرة على قيادة المجتمع. إن قوة الجامعات لا تكمن فقط فى دورها الأكاديمى، بل فى كونها مؤسسات تصوغ المعايير التى ينقلها الطلاب والخريجيين لاحقًا إلى سوق العمل والحياة العامة، وهو ما يجعل الإدارة بالقيم بها قضية محورية فى المقام الأول. 
فى الحقيقة لقد اتخذت الجامعات المصرية خطوات هامة وفاعلة عديدة فى مجال إدارة القيم.  فقد تأسست الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد (NAQAAE) بموجب القانون رقم 82 لسنة 2006، وأصبحت المرجعية القومية لاعتماد المؤسسات التعليمية ونشر ثقافة الجودة. كما حرصت الجامعات على إدراج العديد منالمقررات التى تتناول أخلاقيات البحث العلمى ، كما تم تفعيل العديد من الأنظمة الاكترونية للكشف عن الانتحال العلمى بإشرافالمجلس الأعلى للجامعات. كذلك، أطلقت وزارة التعليم العالى مبادرات لدعم تكافؤ الفرص بين الطلاب، كما شاركت بعض الجامعات المصرية فى مبادرةجريس GRACE الدولية للحوكمة والمخاطر والامتثال من أجل التميز، والتى تهدف إلى نشر أفضل الممارسات المؤسسية وربط الأداء الأكاديمى بالمعايير العالمية فى النزاهة والشفافية. هذه الخطوات جميعاً تعكس وعياًمتنامياً بأهمية القيم فى صياغة السياسات الجامعية.
من الجهود الجزئية إلى التحول الشامل بالقيم
على الرغم من أهمية هذه الجهود، فإنها تمثل الاهتمام المتزايد بمفهوم إدارة القيم من خلال صياغة العديد من المواثيق ونشرها ومتابعة الالتزام بها فى مجالات متعددة – كالبحثالعلمى والتدريس والقبول وغيرها – بحيث تُعالج كل قيمة على حد. أما الإدارة بالقيم فهى تتطلب اكثر من ذلك. فهىتسعى إلى تحويل القيم السائدة – كالعدالة والشفافية والنزاهة والمسؤولية – إلى أداة توجه عملية اتخاذ القرار نفسها فى مختلف أنشطة الجامعة. ففى التعيينات والترقيات تكون العدالة هى المرجع، وفى البحث العلمى يُصبح الأثر المجتمعى معياراً، وفى التعامل مع الطلاب تُترجم المساواة إلى سياسات واضحة. وفى هذا الصدد، تشير العديد من التقارير الدولية إلى أن الحوكمة الجيدة – بما فى ذلك الشفافية والمساءلة – ترتبط مباشرة بأداء المؤسسات التعليمية. فعلى سبيل المثالأشار البنك الدولى إلى أن إدخال آليات الحوكمة والشفافية ساهم فى تحسين كفاءة التمويل وعدالة الإدارةفى ظل مشروعات إصلاح التعليم العالى على مستوى الدول المختلفة. كما أظهرت دراسات مقارنة أن الدول ذات مؤشرات الحوكمة المرتفعة تتمتع بشفافية معلومات أعلى، ما يعزز ثقة المجتمع. ومن هنا يتضح أن الإدارة بالقيم ليست رفاهية، بل ضرورة لتعزيز مكانة الجامعة وزيادة فرص خريجيها محلياً وإقليمياً ودولياً. غير أن هذا الهدف لن يكتمل إلا إذا أصبحت القيم ثقافة تنظيمية راسخة وسلوكيات يومية يعيشها أعضاء المجتمع الأكاديمى،وليست مجرد لوائح مكتوبة. 
كيف ننتقل من إدارة القيم إلى الإدارة بالقيم داخل الجامعات؟ 
فى الحقيقة إن الإجابة على هذا التساؤل يحتاج إلى خارطة طريق متكاملة ذات آليات قابلة للتطبيق، وتضمن أن تتحول القيم إلى محرك حقيقى للسياسات والقرارات والممارسات الجامعية. ويمكن تلخيص ملامح هذه الخارطة فى خمسة محاورمتكاملة على النحو التالى:
•    المحور التشريعى والتنظيمى: يجب أن يتم دمج القيم فى اللوائح التنفيذية وربطها بمؤشرات أداء قابلة للقياس، بحيث تصبح جزءًا من تقارير الاعتماد الصادرة عن الهيئات المسئولة، ومن متطلبات التمويل الحكومى والدولى. كما يجب إدراج نصوص واضحة عن النزاهة والشفافية والمساءلة فى كل اللوائح الداخلية للجامعات.
•    المحور المؤسسى: يجب أن يتمإنشاء مكاتب مستقلة للنزاهة الأكاديمية ومكافحة الفساد داخل الجامعات، وتكليفها برصد الشكاوى وتلقى البلاغات وتقديم تقارير دورية. كذلك، تأسيس وحدات لرصد الثقافة التنظيمية وقياس تطورها عبر استبيانات دورية، ونشر نتائجها بشفافية.
•    المحور التعليمى والتدريبى: يجب أن يتم إدراج مقررات إلزامية عن القيم والأخلاقيات المهنية لجميع الطلاب، مع تكييف محتواها حسب التخصص. كما ينبغى تنظيم برامج تدريبية دورية لأعضاء هيئة التدريس والإداريين حول كيفية دمج القيم فى التدريس والإشراف والبحث، وربط التقييم الأكاديمى والوظيفى بالالتزام بالقيم المؤسسية.
•    المحور الثقافى والمجتمعى: يجب أن يتم تعزيز ثقافة الحوار القيمى داخل الحرم الجامعى، بحيث تصبح القيم مجالاً للنقاش العام بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإدارة الجامعية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مناظرات طلابية، ومجالس استشارية تضم ممثلين عن الخريجين وسوق العمل، وتخصيص منصات لرصد انتهاكات القيم. كما يجب أن تصدر الجامعات تقارير سنوية علنية عن مستوى الالتزام بالقيم المؤسسية توضح كل من الإنجازات والتحديات معاً.
•    المحور الدولى والتنافسى: يجب أن يتم ربط تفعيل القيم بالتصنيفات الدولية ومؤشرات السمعة الأكاديمية، وإبراز التزام الجامعات المصرية بالحوكمة والقيم ضمن استراتيجياتها التسويقية لجذب الطلاب الوافدين.
واخيراً وليس آخراً فإن مبادرات وممارسات إدارة القيم داخل الجامعات المصرية قد وضعت أساساً هاماً  لترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة والشفافية. هذا الأساس يحتاج إلى أن يتبعه ترسيخ لتلك القيم كأداة تُوجّه القرارات والممارسات اليومية، أى الانتقال إلى الإدارة بالقيم. وبهذا يمكن للجامعات أن تصهر المعرفة والقيم فى إطار واحد، وأن تطور دورها كمحرك رئيسى للتنمية المستدامة وتعزيز مكانتها فى المجتمع.