قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فرناس حفظي تكتب: في المحروسة.. الدار أمان

فرناس حفظي
فرناس حفظي

منذ فجر التاريخ، كانت المحروسة أرضا تجلى الله فيها لموسى عليه السلام، فصارت شاهدا على اللقاء بين السماء والأرض، ومسرحا لرسالاتٍ حملت النور والهداية.

كانت أرضا يلجأ إليها الأنبياء والأطهار، وملاذا للمستضعفين في لحظات الخوف والضياع.

إليها جاء إبراهيم عليه السلام، وفيها عاشت مريم وولدها عيسى عليهما السلام، ومنها مر يوسف ويعقوب والأسباط، وعلى أرضها وجد الصحابة ملجأً حين ضاقت بهم السبل.

كانت مصر، وما زالت، دارا تُفتح فيها الأبواب لمن يطرقها، ويُروى فيها الخائف بالطمأنينة قبل الماء.

تاريخها يفيض بمعنى الأمان، لا بالكلمات، بل بالشواهد التي حفظها الزمن وكرستها المواقف.
واليوم، وبعد قرون من التحولات، يبقى المعنى واحدا وإن تغير الزمان.

فعقب استهداف قادة حركة حماس في العاصمة القطرية، خرج بنيامين نتنياهو بتصريحات هدد حماس بأن  إسرائيل ستصل إليهم في أي مكان ، و أضاف ايضا إن كل دول الخليج وشمال إفريقيا، وحتى إيران وتركيا، أغلقت أبوابها في وجه قادة الحركة، بعدما أدركت عجزها عن حمايتهم من يد إسرائيل الطويلة.

لكن المشهد كان مختلفا تماما في المحروسة.
فهنا، على أرض تعرف معنى السيادة والأمان، وقف خليل الحية، رئيس وفد حماس، في مدينة شرم الشيخ، على بُعد كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، تحرسه هيبة الدولة المصرية وثقة لا تهتز في أجهزتها الأمنية.

مشهد وحده كفيل بأن يقول: الدار أمان.
في لحظة تتبدل فيها خرائط الولاءات، وتتكشف فيها موازين القوة الحقيقية في المنطقة، جاء ظهور وفد حركة حماس في شرم الشيخ ليعيد التذكير بمعنى "المكان" حين يكون له تاريخ وقرار.

لم تكن الصورة مجرد استقبال سياسي، بل إعلانا هادئا عن أن مصر لا تتحدث كثيرا، لكنها حين تختار أن تفتح بابها، تفعل ذلك من موقع يعرف قدره، ويعلم أن الكلمة على أرضه لا تُقال عبثا.

المحروسة وحدها ما زالت تمسك بخيوط التوازن في لحظات الاضطراب، تبقي قنواتها مفتوحة مع الجميع، وتدير المشهد بعقل باردٍ يزن الخطوات بميزان الدولة لا العاطفة.

وأن يقف خليل الحية في شرم الشيخ، على مرمى البصر من العدو الذي طالت أذرعه واغتيالاته، فذلك ليس مجرّد مشهد رمزي.

إنه تأكيد على أن مصر، برغم كل العواصف، ما زالت تملك القرار، وتمنح الأمان، وتفرض الاحترام.
ولأن السيادة لا تعلن بالشعارات، بل تُرى في التفاصيل، فإن تلك اللقطة الهادئة من شوارع شرم الشيخ كانت أبلغ من الضجيج السياسي والتصريحات المتباينة التي تتناثر في كل الاتجاهات.
كان الحضور أبلغ من الخطاب، والسكينة أعمق من أي بيان، وكأن الأرض نفسها تقول لمن فيها: هنا الدار أمان.

في هذه اللحظة، لم تصف المحروسة واقعا مؤقتا، بل أعادت إلى الأذهان وعدا قديما خط منذ عهد الأنبياء:
"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين."