في فتوى حديثة وردت عبر الموقع الرسمي لـ دار الإفتاء المصرية، تناولت الدار حكم قيام أحد الزوجين بتشهير الآخر أو كشف أسراره الخاصة بعد وقوع الطلاق، وهي ظاهرة باتت تنتشر بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقوم أحد الطرفين بذكر عيوب الطرف الآخر أو الحديث عنه بالسوء أمام الناس.
وأكدت دار الإفتاء المصرية أن هذا الفعل حرام شرعًا ومجرَّم قانونًا، سواء حدث أثناء استمرار العلاقة الزوجية أو بعد الانفصال، مشددة على أن التشهير أو ذكر العيوب أو كشف الأسرار الخاصة دون مبرر شرعي يُعد من المحرَّمات الصريحة التي نهى عنها الشرع الحنيف، لما فيها من اعتداء على الكرامة الإنسانية وهتك للستر الذي أمر الله به بين الزوجين.
وأوضحت الدار أن الأصل في العلاقة الزوجية هو الستر والإحسان، حتى بعد الفراق، لقوله تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم»، مشيرة إلى أن الواجب على كل من الزوجين أن يحفظ لسانه عن الخوض في خصوصيات الطرف الآخر، وألا يجعل من الخلاف أو الطلاق مبررًا لتبادل الاتهامات أو التشهير عبر وسائل الإعلام أو المنصات الإلكترونية، لما في ذلك من إفساد للقلوب وإثارة للفتن وانتهاك لحرمة البيوت.
وأضافت الدار أن تشهير أحد الزوجين بالآخر دون ضرورة أو سبب شرعي هو نوع من الغيبة المحرمة التي تواترت النصوص الشرعية في تحريمها والتحذير منها، حيث إن الغيبة تُعرَّف بأنها ذكر الإنسان بما يكره سواء في دينه أو دنياه أو أهله أو غير ذلك مما يخصه، سواء كان ذلك باللفظ أو الكتابة أو الإشارة أو الرمز.
في هذا السياق، نقلت دار الإفتاء قول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في كتابه "أسنى المطالب" (ج3، ص117): «الحاصل أن الغيبة: وهي ذكر الإنسان بما فيه مما يكره ولو في ماله أو ولده أو زوجه أو نحوها محرمة؛ سواء أذكره بلفظ أم كتابة أم إشارة بعين أو رأس أو يد أو نحوها»، موضحة أن هذا يشمل كل صور التشهير سواء عبر الكلام المباشر أو عبر المنشورات والتعليقات على مواقع التواصل.
وبيّنت الفتوى أن من صور الغيبة والبهتان المنتشرة اليوم أن يقوم أحد الزوجين بنشر تفاصيل الحياة الخاصة أو تصوير الآخر بصورة سيئة أمام الناس، وهو ما يُعد هتكًا لحرمة البيوت وخروجًا عن حدود الأخلاق الإسلامية، داعية الجميع إلى التحلي بالخلق الكريم وضبط اللسان وعدم الانسياق وراء الغضب أو الرغبة في الانتقام.
واستشهدت الدار بقول الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]، مؤكدة أن الغيبة والتشهير لا يليقان بمسلم يعرف حرمة الأعراض، وأن الله سبحانه وتعالى شبّه المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتًا، وهو تشبيه يدل على بشاعة الفعل وقبحه في ميزان الشريعة.
وأكدت دار الإفتاء فتواها أن الطلاق لا يعني انتهاء واجب الاحترام بين الزوجين، وأن الستر بعد الفراق من سمات المؤمنين الصادقين الذين يتقون الله في أنفسهم وفي غيرهم، داعية الأزواج إلى تجنب التشهير، والاحتكام إلى الضوابط الشرعية في حل الخلافات بعيدًا عن وسائل التشهير أو التشويه.



