أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الحضارة المصرية القديمة تمثل وجهًا من وجوه الوحي الكوني، فهي ليست مجرد أحجار أو نقوش تاريخية جامدة، وإنما فصل من فصول "كتاب الله المنظور"، الذي تجلت فيه آيات القدرة الإلهية في الإبداع والعمران والجمال.
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}، مشيرًا إلى أن هذه الآيات لا تقتصر على الكون الطبيعي، بل تمتد إلى كل ما صنعته يد الإنسان بإلهام من خالقه، ومن ذلك منجزات المصري القديم.
وخلال لقاء تلفزيوني س مساء الأربعاء، أوضح الورداني أن الوجود الإلهي يُقرأ من خلال كتابين: الكتاب المستور وهو القرآن الكريم، والكتاب المنظور وهو هذا الكون الفسيح بما فيه من آثار وجمال ونظام دقيق.
وقال إن الحضارة المصرية من أبرز هذه الصفحات التي تفتح القلوب على أسرار الجمال الإلهي وتجليات الإبداع الرباني، فهي دعوة للتفكر والتدبر لا للانبهار المادي.
وأضاف أمين الفتوى أن الوقت قد حان لتصحيح الصورة الذهنية عن حضارتنا المصرية القديمة، التي أساء البعض فهمها فظنها وثنية أو انحرافًا عقديًا، بينما هي في حقيقتها نتاج فطرة نقية تبحث عن الله الواحد من خلال الجمال والكمال والإتقان.
ودعا إلى النظر إلى آثار المصريين بعين الإيمان لا بعين الريبة، لأن كل ما فيها من دقة وتناغم هو ثمرة توفيق إلهي، وشاهد على أن الإبداع شكل من أشكال العبادة.
وأكد الورداني أن الحضارة المصرية لم تكن بعيدة عن التوحيد كما يُروّج البعض، فالمصري القديم لم يتوقف عند ظواهر الأشياء، بل كان دائم التساؤل عن منبع النور وخالق الحياة، معتبرًا أن تأمله في الشمس والنيل لم يكن عبادة للمخلوق بل بحثًا عن الخالق. واستدل بما قام به إخناتون، الذي دعا إلى عبادة "آتون" باعتباره رمزًا للنور الإلهي، لا إلها مستقلًا بذاته، مما جعل العديد من الباحثين يؤكدون أن المصريين القدماء كانوا أقرب إلى التوحيد منهم إلى الوثنية.
وشدد الورداني على أن الحضارة المصرية هي حضارة توحيد وجمال وإبداع، وأن قراءتها من منظور إيماني ترد للإنسان المصري وعيه بدوره كخليفة في الأرض يعمّرها بالجمال والإتقان.
واختتم حديثه قائلًا: "الإنسان المصري عبد الله بالجمال، فجعل من فنه ومعماره ونقوشه تسبيحًا صامتًا لخالقه، تحقيقًا لقول النبي ﷺ: إن الله جميل يحب الجمال."

