ولكن المريض مات‏!‏)

نعرف جميعا القول الذائع عن الجراح الذي قال لأهل المريض أن العملية الجراحية نجحت‏,‏ ولكن المريض مات‏.‏ المعني هنا أنه من الناحية المهنية فقد قام الطبيب بواجبه

من حيث محاولة إنقاذ إنسان; فعقم الأدوات, وقام بالإجراءات حسب ما تقول به كتب الطب وصفحات التجربة, ومع ذلك فإن المريض مات لأنه إما جاء متأخرا وبعد فوات الأوان, أو أن حالته من التعقيد بحيث لن تفلح فيها وسائل العلاج والجراحة, أو أن حالته لم تتوافق مع ما وصل إليه العلم من علاج ووسائل جراحة, أو أن الطبيب عندما وضع مشرطه في جسد المريض اكتشف ما لم يكن ممكنا اكتشافه من قبل فتصرف بما يجب عليه التصرف في مثل هذه الحالات.

هل يجوز ولو علي سبيل القياس القول أن ثورة يناير قد نجحت ولكن الوطن في النهاية وصل إلي حالة من الموت الإكلينيكي علي الأقل. أعرف أن الأوطان لا تموت, ومصر من بين بلاد العالم عاشت لآلاف السنين, وعلي الأرجح أنها سوف تعيش مثلها, ولكن حالتها التي نشهدها الآن وبعد الاحتفال أو الاحتفاء بأعياد الخامس والعشرين من يناير تدل علي دولة تبعثرت قواها, ولم يبق فيها من قدرة ذاتية تستطيع أن تقف فيها علي أقدامها. أعرف أن هناك من هم عن حق علي استعداد دائم للوم النظام القديم, لكن هذا النظام لم يكن موجودا ساعة قرار سائقي عربات الإسعاف بالإضراب عن العمل وهم الذين حملوا علي أعناقهم مهمة إنقاذ المواطنين, أو أنه كان باقيا حتي جري ما جري في إستاد بورسعيد الرياضي في مباراة فاز فيها فريق المصري علي النادي الأهلي, وبدلا من الاحتفال بالفوز والانتصار فقد كان الهجوم علي اللاعبين والمدربين والجمهور فسقط من سقط وجرح من جرح.

نعرف أن من يدخل مطار القاهرة سوف يجد في صدارته عبارة باراك أوباما التي يدعو فيها الشباب الأمريكي لكي يتعلم من الشباب المصري الذي قام بأنجح ثورة في العالم, فهل لا تزال العبارة صادقة بينما تقتل جماهير جماعات مثلها, وتنقض عائلات علي أخري, وتقف مسارات طرق وسكك حديدية, وتقطع آذان وتحرق كنائس, وتسرق بنوك وشركات صرافة حتي وصل إلي سرقة مفاعل نووي, ويختفي أمن وأمان بينما الاحتياطي القومي يذوب من بين أصابعنا, ويتقلص الاقتصاد الوطني يوما بعد آخر, فإذا ما جرت له انتعاش ذات يوم جرت مذبحة في اليوم التالي. لقد نجحت الثورة, ولكن الوطن لم ينجح!.
نقلا عن الأهرام