أمريكا و"داعش" بين إستراتيجية "توريط الآخرين" و"البحث عن المصالح"

"إستراتيجيتنا هي بناء تحالف إقليمي وتقديم الدعم له لمواجهة (داعش) ولن نسمح بجر جنودنا إلى حرب في العراق".. تلك هي العبارة التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إطار إعلانه عن الكيفية التي يفكر بها الأمريكيون لمواجهة خطر تنظيم (داعش) وتمدداته في سوريا والعراق، فيما تواجه الإدارة الأمريكية هذه الأيام ما يمكن وصفه بـ "الخيارات الصعبة".
فالجهود الأمريكية متواصلة من أجل محاصرة (داعش)، والقضاء عليها لا يخلو من حسابات واستراتيجيات ولا ينفصل عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في التوجه شرقا نحو آسيا من أجل المصالح الاقتصادية.
وبما أن الرئيس أوباما يستبعد فكرة الحرب البرية، فإنه يتبنى استراتيجية يتم تنفيذها على مرحلتين للقضاء على (داعش)..المرحلة اﻷولى (قصيرة المدى) تتمثل في تأمين اﻷفراد اﻷمريكيين والمصالح اﻷمريكية واﻷقليات في شمال العراق والحد من تهديد التنظيم، وهي المرحلة التي تعمل الوﻻيات المتحدة على تنفيذها في الوقت الراهن.
أما المرحلة الثانية (طويلة المدى) تتمثل في تحرك الوﻻيات المتحدة تحركا استراتيجيا تجاه هزيمة التنظيم، لكن بالتنسيق مع القوات المحلية مثل الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية في العراق وقوات الثوار المعتدلة في سوريا التي بدأت واشنطن في تزويدها بالسلاح.
هذا السيناريو عكسته تصريحات نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية بن رودس، والتي قال فيها "بالتأكيد نريد على المدى الطويل أن نرى تنظيما مثل (داعش) مهزوما"، في إشارة إلى إستراتيجية أوباما لمواجهة (داعش) في العراق، والتي لخصها في ثلاث كلمات "طرد وضغط وإقصاء".
التشاركية الدولية والإقليمية
وفي سياق الإستراتيجية الأمريكية لمشاركة القوى الإقليمية والعالمية ضد (داعش)، تبنى مؤتمر حلف الأطلنطي في ويلز بالمملكة المتحدة استراتيجية عامة لمواجهة خطر تنظيم (داعش) الإرهابي قوامها تشكيل تحالف دولي إقليمي لمواجهة داعش عسكريا من أجل التضييق عليه أولا ثم هزيمته ثانيا.. وأن يتم ذلك بتوظيف الهجمات الجوية الأمريكية وغيرها ضد مراكز تجمع مقاتلي داعش وقادتها، وتعاون استخباري مع الدول المعنية خاصة العراق، واستخدام مقاتلي الجيش السوري الحر كقوة برية لدحر داعش خاصة في الأراضي السورية.
ولا شك أن الاستراتيجية الأمريكية للحرب على داعش تقوم على مبادئ وأسس تريدها الولايات المتحدة وهي توريط أصدقائها وحلفائها في تنفيذ الهجوم والقضاء على داعش، ومن هنا يظل التحرك الأمريكي محكوما بالمصالح أمريكية وليس مرتبطا بمصالح شعوب المنطقة، لأن الاستراتيجية التي جاءت بأوباما رئيسا لأمريكا قامت على فكرة جوهرية وهى: الانسحاب السريع من مواقع القتال، خاصة من أفغانستان والعراق، وعدم تورط الجيش الأمريكي مباشرة في حرب مرة أخرى، وأن يتحمل القادة المحليون ثمن مواقفهم السياسية، وأن كل ما ستقدمه واشنطن لأصدقائها هو بعض الدعم العسكري من أسلحة وعتاد ومعلومات وضربات جوية بطائرات بدون طيار عند الضرورة.. وفى مقابل ذلك يتم التوسع في بيع الأسلحة للدول المهددة وتدريب قطاعات من الضباط والجنود.
وهذا ليس بجديد في السياسة الأمريكية تجاه قضايا العالم المختلفة، خاصة مع بداية الفترة الثانية من رئاسة أوباما الذي دشن استراتيجية أمريكية جديدة وهي التوجه شرقا نحو آسيا.
فليس من قبيل المصادفة أن يختار أوباما إثر فوزه بولاية رئاسية ثانية، منطقة جنوب شرق آسيا وتحديدا ثلاث دول منها، هي: كمبوديا وتايلاند وميانمار (خلال الفترة 17-20 نوفمبر 2012)، لتكون أول وجهة خارجية في صفحة حياته السياسية الثانية في البيت الأبيض.
وكان لهذه الزيارة معان كثيرة أولها، الترسيخ لما أطلقه أوباما سابقا من توجه نحو المحيط الهادي في البوصلة الخارجية الأمريكية، فيما سمي بـ"المحور الآسيوي"، المتمثل في اهتمام الرئيس أوباما بشرق آسيا أكثر من أي رئيس من أسلافه منذ الحرب في فيتنام، ليس هذا لمواجهة التمدد الصيني فحسب بل لأهمية هذا الجزء من العالم بالنسبة للمصالح الأمريكية بكل جوانبها، ولهذا كانت قمة شرق آسيا المنتدى الموسع لرابطة آسيان أول قمة دولية يحضرها، فمن خلال آسيان كانت الولايات المتحدة، ولاتزال، تجد مجالا للتأثير على الأوضاع في المنطقة بما فيها بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع على جزره الغنية بمصادر الطاقة الصين ودول آسيانية.
ثانيها أن لتلك السياسة مسوغاتها من الواقع الاقتصادي لأمريكا التي يرى صناع قرارها في القارة الآسيوية ثروات طبيعية وسوقا ومجالا للاستثمار، ومن أجل ذلك سعت إدارة أوباما، ورغم أنها تستفيد من البرامج التكاملية لرابطة آسيان والمنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، إلى تفعيل مبادرتها المعروفة بـ "شراكة المحيط الهادي" التي تضم تسع دول حتى الآن، هي: الولايات المتحدة ونيوزيلندا وسنغافورة وتشيلي وسلطنة بروناي وماليزيا وأستراليا والبيرو وفيتنام، ولو انضمت اليابان وتايلاند لهذه الشراكة فإن الحديث سيكون عن 40% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم.
ويبقى الإشارة إلى أن هذه الإستراتيجية الأمريكية التي تم تجييش دول الناتو من أجلها ومن أجلها كذلك تتم الزيارات لبعض الدول العربية والإقليمية لإقناعها بفكرة الحرب على الإرهاب والمشاركة في هذا التحالف الدولي - الإقليمي، تواجه الكثير من العقبات من أبرزها أن حالة النظام العالمي وميزان القوى فيه الآن ليس كحالته وموازين قوته خلال الحرب على العراق 2003، باعتبار أن روسيا والصين يمثلان الآن شوكة في خصر الإدارة الأمريكية ورغبتها.
كما أن حالة الدول العربية التي مرت بما سماه المحللون والخبراء بـ"الربيع العربي" من عدم استقرار واضطراب سياسي واقتصادي الآن ليست هي حالتها التي كانت عليها خلال فترة الحرب على العراق.
ناهيك عن أن استراتيجية الناتو نفسه ليست واضحة الآليات والتكتيكات اللازمة للتنفيذ ضد (داعش) وخارج حدود إحدى دول الحلف، ومن هنا يمكن القول إن الحرب ضد داعش قد تستمر فترة ليست قصيرة وقد تحجم دول الحلف عن الاستمرار طالما أن واشنطن ترغب في تحقيق مصالحها فقط دون مراعاة لمصالح الآخرين بما فيهم مصالح شعوب دول المنطقة.