الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"قانون يهودية الدولة".. إلغاء للوجود الفلسطيني وتكريس للرواية التوراتية للصراع

صدى البلد

شهد عام 2014 مصادقة إسرائيل على مجموعة من القوانين التي تهدف إلى ترسيخ احتلالها للأراضي الفلسطينية من خلال فرض حقائق على الأرض من الصعب تغييرها، وكان أكثرها خطورة إقرار مشروع قانون "الدولة القومية للشعب اليهودي"، والذي أدي بدوره لانهيار الائتلاف الحكومي الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والإعلان عن التوجه لإجراء انتخابات مبكرة فى 17 مارس القادم.
وصادقت حكومة نتنياهو في نهاية نوفمبر الماضي بأغلبية 15 صوتا على قانون "الدولة القومية اليهودية"، فيما عارض القانون وزراء حزبي "هناك مستقبل"، الذي يتزعمه وزير المالية يائير لابيد، و"الحركة" بزعامة وزيرة العدل تسيبي ليفني بواقع 6 وزراء، وهو ما دفع نتنياهو إلى إقالة لابيد وليفني مما أدى إلى تصدع الائتلاف الحاكم.
وأثار إقرار القانون جدلا واسعا داخل إسرائيل بين مؤيد ومعارض ومحذر من تبعاته على مستقبل الدولة العبرية، كما أثار غضبا عارما في صفوف الفلسطينيين سواء في داخل إسرائيل "عرب 48" أو في باقي الأراضي المحتلة، الذين وصفوه بأنه "عنصري" و"تطهير عرقي" و"ترانسفير" جديد بحق الشعب الفلسطيني، محذرين من تحويل الصراع إلى ديني.
ويرى محللون ومختصون في الشأن الإسرائيلي أن أهداف قانون يهودية الدولة عديدة، من بينها سد الطريق أمام تسوية القضية الفلسطينية، وتكريس الرواية التاريخية اليهودية لفلسطين، وأنها وطن قومي للشعب اليهودي، وأوضحوا أن للقانون أيضا أهدافا داخلية من بينها ترجيح وتغليب المركب اليهودي الإسرائيلي على المركب الديمقراطي، بما يعنى تكريس التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل إلى الأبد ومحاربة أي اتجاهات ليبرالية أو ديمقراطية داخل المجتمع الإسرائيلي، وتكريس القيم والمبادئ التي يعبر عنها اليمين المتطرف.
وأشاروا إلى أن إسرائيل طوال السنوات السابقة كانت دولة لليهود، وهي في الواقع كذلك، ولكن في هذه المرة ستكون يهودية الدولة بنص الدستور وسيكون من الصعب على الجهاز القضائي الإسرائيلي بعد المصادقة على القانون النظر في قضايا التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل سواء كان هذا التمييز قانونيا أو سياسيا أو قوميا.
ويحذر مدير مركز "أطلس للدراسات الإسرائيلية" عبد الرحمن شهاب من عواقب إقرار قانون يهودية الدولة، مشيرا إلى أن تبني نتنياهو لمشروع القانون جاء متوافقا مع تنامي تأثير قوة اليمين الديني وتراجع التيارات الصهيونية العلمانية.
وقال شهاب "الدولة اليهودية تعني أن غياب اليهود عن هذه الأرض بفعل الشتات كان طارئا، وأن العرب كانوا غزاة والعودة لأرض الميعاد هي إعادة المسار التاريخي إلى صوابيته، وما نتج عن ذلك إنما يتحمله المسبب في ذلك وهم الفلسطينيون الذين صنعوا النكبة الأولى والشتات الأول لليهود".
وأضاف "أن يهودية الدولة هي إلغاء للحق التاريخي واعتبار الاعتراف الإسرائيلي بأية كيانية للفلسطينيين هي اعتراف الأمر الواقع، وأن اعتراف الفلسطينيين هو اعتراف بالحق التاريخي".
وحول النتائج المترتبة على هذا القانون، أوضح شهاب أنه لا يحق للفلسطينيين المطالبة بتعويض عن نكبة عام 1948، وإنهاء المطالبة بالقرار الدولي 194 الخاص بحق عودة اللاجئين وتبرئة إسرائيل من تحمل العبء التاريخي للظلم الفلسطيني، إضافة إلى اعتبار الاستيطان بكل أشكاله دفاعا عن الحق اليهودي.
وأضاف "كذلك فإن كل الحروب التي تخوضها إسرائيل ضد العرب هي دفاعية ضد مدعون معتدون على السيادة الإسرائيلية، وأن الهدف نزع السلاح الديمغرافي، وهو الوحيد المتبقي في يد الفلسطينيين"، وويرى شهاب أنه بحسب مشروع قانون الدولة اليهودية، فإن الأساس في المقدسات على هذه الأرض هي المقدسات اليهودية، والتي سبقت المقدسات المسيحية والإسلامية، بل أن هذه المقدسات قد بنيت على أنقاض المقدسات اليهودية أثناء مراحل الضياع والضعف والشتات.
ويعرف مشروع القانون "دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وصياغة قيمها كدولة يهودية وديمقراطية استنادا إلى وثيقة الاستقلال"، ويعتبر أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومكان إقامة دولة إسرائيل"، ويقول إن "دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي الذي يجسد فيها حقه في تقرير المصير بناء على تراثه الحضاري والتاريخي، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل مقصور على الشعب اليهودي".
وعقب المصادقة على مشروع القانون، قدمت عضو الكنيست من حزب الليكود اليميني ميري ريغيف مشروع قانون آخر يلزم كل عضو بأداء تصريح الولاء لدولة إسرائيل بصفتها "دولة يهودية وديمقراطية".
وقالت ريغيف، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية "بموجب قانون أساس الكنيست لا يجوز انتخاب عضو يعمل ضد إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، لافتة إلى أن مشروع القانون لا يهدف إلى تهويد أعضاء الكنيست العرب، ولكن الهدف منه هو منع أعضاء الكنيست من العمل ضد إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".. ويبلغ عدد النواب العرب في الكنيست 11 من أصل 120 عضوا هم عدد أعضاء البرلمان الإسرائيلي.
وفي السياق ذاته، جدد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان طرح فكرته الداعية إلى ضم مناطق ذات كثافة سكانية عربية عالية في شمال إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية في إطار حل نهائي مع الفلسطينيين وخطة سلام إقليمية شاملة.
وتنص خطة ليبرمان، الذي يترأس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية على "تطبيق مبدأ تبادل الأراضي والسكان في إطار حل يطرح على مواطني الدولة العرب، خاصة في منطقتي المثلث ووادي عارة (شمال إسرائيل)".
ووفقا للخطة، يمكن إفساح المجال أمام المواطنين العرب الذي لا يبدون تضامنهم مع دولة إسرائيل أن يصبحوا جزءا من الدولة الفلسطينية، وتضم منطقة المثلث ووادي عارة نحو 300 ألف عربي فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، وتقع ضمن ما يطلق عليه الفلسطينيون أراضي عام 1948.
وعارض مشروع القانون شخصيات بارزة في إسرائيل، في مقدمتهم الرئيس السابق والمخضرم شيمون بيريز، والحالي رؤوبين رفلين ، كما عارضه أقطاب القوى السياسية في الكنيست والحكومة، ومنهم حزب العمل الذي يقود المعارضة، وحزب ميريتس اليساري، وحزب الحركة الذي تقوده ليفني وزيرة العدل، وحزب "هناك مستقبل" بقيادة لابيد.
وقال بيريز، خلال مراسم إحياء ذكرى أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن جوريون "إن مشروع القانون يشكل محاولة لاستغلال وثيقة الاستقلال من أجل جني مكاسب سياسية مؤقتة.. ومحاولات تشويه وتشويش وثيقة الاستقلال لخدمة مصالح سياسية تفصلنا وتبعدنا عن هذه الوثيقة ومن قيم ومحبة الآخر والجدل الجاري حول قانون القومية، هو جدال زائد عن الحاجة سياسيا ومشاحنة زائدة وغير ضرورية قد تحول الصراع إلى ديني".
وأضاف "قانون القومية قد يؤدي إلى ضعضعة المجتمع الإسرائيلي والحد من مكانة إسرائيل كدولة ديمقراطية داخليا وخارجيا"، وحذر النائب العربي في الكنيست طلب أبو عرار من أن مشروع القانون يضع العرب تحت حكم ديني يهودي ويخفي القومية الفلسطينية للعرب واللغة العربية".
وقال أبو عرار، في تصريحات صحفية، "إن القانون المقترح هو "ترانسفير" إقصاء، وهضم للحقوق، وتكريس للعنصرية والكراهية.. والقانون أثبت بدون أي شك أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية، وإنما ديمقراطية إثنية لليهود، فهي تهدم البيوت العربية، وتحول مقدساتهم إلى متاحف وبارات، وتعمل على إيذاء العرب بشكل ممنهج".
ويعيش نحو مليون و700 ألف عربي في إسرائيل يشكلون نحو 20.7% من إجمالي عدد سكان الدولة العبرية البالغ 8.081 مليون نسمة، ويرفض الفلسطينيون الاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية" استنادا إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية قدمت الاعتراف المتبادل بدولة إسرائيل من خلال اتفاقية أوسلو عام 1993، والذي تم بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين، إلى جانب أن الاعتراف بيهودية الدولة سيكلف الفلسطينيين إدانة تاريخية لنضال آبائهم وأجدادهم وسيؤدى إلى المطالبة بتعويضات لكل يهودي قتل أو جرح في معركة المواجهة والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن مشروع قانون "القومية اليهودي" يهدف إلى القضاء على حل الدولتين عن طريق فرض مشروع "إسرائيل الكبرى" ويهودية الدولة على أرض فلسطين التاريخية، ويعتبر إلغاء إسرائيليا أحادي الجانب لوثيقة الاعتراف المتبادل لعام 1993، كما يشكل استباحة للأماكن الدينية والمقدسة للأديان الأخرى باعتبار أن اليهودية هي الإطار التعريفي لهوية هذه الدولة.
وقالت اللجنة، تعليقا على إقرار قانون "يهودية الدولة"، "إن ما يسمى "الوطن التاريخي القومي للشعب اليهودي" هو تسمية عنصرية أيديولوجية إقصائية ومحاولة لتشويه وتزوير الرواية الفلسطينية التاريخية وإلغاء الوجود الفلسطيني وإخراجه من سياق التاريخ والحقوق المشروعة والاستمرارية على أرض فلسطين التاريخية".
وذكرت أن مشروع القانون يستكمل ويكرس "قانون العودة" الذي يمنح الحق لكل يهودي في العالم بالعودة إلى فلسطين، ويحجب هذا الحق عن غيرهم، خاصة من السكان الفلسطينيين الأصليين، ويلغي الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني بشكل مطلق، وفي مقدمتها الحق في عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها قسرا عام 1948، كما يعفي الاحتلال الإسرائيلي من مسؤولياته عن المآسي الإنسانية والنكبات المتلاحقة والجريمة التاريخية التي اقترفها بحق اللاجئين الفلسطينيين وتشريدهم منذ عام 1948 حتى يومنا هذا.
و"حق العودة" ثابت وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وينص "القرار 194" الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 على وجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها وتعويضهم.