الناصريون بعد هيكل

حينما تشرع فى الكتابة عن " الأستاذ" بعد رحيله، تقف حائرا، هل تكتب عن الجورنالجى، أم المفكر، أم السياسى، عن الكاتب ، عن شاب التسعينيات، أم تتحدث عن علاقته بالرؤساء، أم عن القضايا المغرقة فى المحلية، أم المحلقة فى العالميةً،أم تراك تكتب عن مقالاته ،أو كتبه، أو حكاياته المتلفزة، أم إصراره حتى اللحظات الأخيرة أن يظل المخبر الصحفى الذى لا تخلو جعبته من المعلومات الجديدة، التى وصلت إلى حد أن قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عنه يوما ما أن الصحفيين يسألونى عن الأخبار الجديدة أما هيكل فيأتى إلى بالجديد.
فى الحقيقة، إن تطرقت إلى حياة الأستاذ، كما يحلو لنا معشر الصحفيين، صغيرنا وكبيرنا ،أن نطلق عليه، وسواء اختلفنا مع رؤاه أو اتفقنا، ستتحدث عن كل ما سبق وتستطيع أن تتناول كل دقيقة فى عمره، بالكثير من الحكى والتحليل، لكننى أتناول هنا، جانبا هو الأشهر فى حياته ، وهو علاقته بالحقبة الناصرية، التى أدت إلى اعتباره أيقونة التيار الناصرى وأهم مؤيديه وداعميه.
فهو أول من أطلق لفظ( الناصرية)،تيمنا بعبد الناصر، وذلك بمقال شهير فى جريدة الأهرام فى 14 يناير عام 1972 ،وأصبح لذاك التيار مريدوه، الذين يحرصون على الالتفاف حول هيكل، طلبا للبركة، أو الدعم ، وربما كان من أشهر اللقاءات هو التفاف مشاهير الناصريين حول الأستاذ فى يوم مولده، 23 سبتمبر، ليبحر بهم إلى آفاق المستقبل، متكئا على الماضى الذى كان، متجولا بهم فى ساحات معارفه ومعلوماته وتحليلاته.
علاقة الناصريين بهيكل ،هى علاقة وطيدة ،تمتد للدعم والمؤازرة والدفع ببعضهم إلى المقاعد الوثيرة، والأبراج العاجية، رغم أن عددا منهم لم يكن ليستحق أن يذكر اسمه " الأستاذ"، مجرد ذكر الاسم، لكنه من حظهم عطف هيكل عليهم، بعد أن اختبأوا خلف لافتات القومية العربية، وغيرها من اللافتات التى يحلو لبعضهم - وليس كلهم- الاحتماء بمظلتها.
وها قد رحل الأستاذ ، فهل ينفرط عقد هؤلاء المنتفعين باسم " هيكل" والناصريين عموما؟!
يقفز هذا السؤال من قلمى، رغم يقينى أن الأفكار فى مختلف أنحاء العالم تزهو حتى فى غياب منظرها الأول وحاميها وداعمها..
لكن فى مصر،اختلفت الأوضاع ،فحالة الفوضى السياسية والتخبط، أودت باتجاهات كثيرة إلى غياهب النسيان، بل إن أبناء التيار الواحد يتخلون مع الوقت عن أصدقاء " الفكرة"، فعلى سبيل المثال ،فإن الناصرى المعروف حمدين صباحى، توارى عن ركب الناصريين، بل انهالوا عليه بأحجار الاتهامات ، حجرا تلو الأخر، وفقد تعاطفهم رغم أنه منهم، لكنه خرج عن السياق، وبالتالى لفظه التيار، وعلى المستوى العملى ،فإن تولى بعض الناصريين مواقع القيادة أثبت فشلهم... والأمثلة كثيرة على هذا الفشل الذى نعيشه فى كثير من القطاعات.
أظن، أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمواقف، وسنجد بعض الشخصيات الموجودة على الساحة تحاول القفز على كرسي " هيكل"، وأعتقد أنهم لن يستطيعوا، فليس بمقدور الأقزام القفز على مقاعد العمالقة، بل إن رحيل" الأستاذ" الداعم لهم سيكشف عورات فشلهم الذريع بعد فقدهم دعم هيكل ،رحمه الله.
الناصريون، أو ما تبقى منهم على قيد مناصب لا يستحقونها، سيسقطون بلا رجعة، وستجدهم الآن من البكائين، ليس على رحيل الجورنالجى، بل رحيل مناصبهم، وستسقط عنهم عباءة هيكل للأبد.