داعش تفجر مدينة الرسول وتتجاهل قطر !

أمر غريب يحدث حولنا ويستدعينا التوقف عنده ولو قليلا... لا بل كثيرا وكثيرا جدا.
فتفجيرات الدولة الاسلامية تسمع في كل مكان تقريبا... في الكثير من دول العالم. في دول المنطقة وخارج المنطقة.
وكان آخرها تفجير في المدينة المنورة حيث مرقد الرسول العظيم، بل وغير بعيدة عنه. وسبقها تفجيران آخران في السعودية أيضا أحدهما في القطيف، والثاني في مدينة جدة، العاصمة الاقتصادية للمملكة السعودية. ونفذ التفجير في جدة قرب القنصلية الأميركية. وكانت المملكة السعودية قد شهدت في الماضي تفجيرات عدة بعضها كان في الرياض، أحدها كان في مجمع سكني للأجانب وبالذات للأميركيين منهم. كما نفد البعض الآخر في المنطقة الشرقية من السعودية، وبالذات في بعض الحسينيات الشيعية، وحصدت عندئذ أرواحا عديدة من المصلين الشيعة.
وقبله بيوم واحد، تفجير كبير في بغداد، في الكرادة أكبر أحيائها، وحصد أكثر من أربعمائة ضحية بين قتيل وجريح نصفهم من القتلى. وكانت هناك قبل تفجير العراق، عملية داعشية كبرى في دكا عاصمة بنغلادش، سبقها تفجير مريع في اسطنبول، في مطار كمال أتاتورك... الموقع الهام الذي يرد السائحون عبره الى تركيا.
ولم تسلم لبنان مؤخرا من عمليات داعش، حيث وقعت سلسلة من التفجيرات في يوم واحد في مدينة القاع القريبة من الحدود السورية، اضافة الى عدة تفجيرات في تواريخ متفاوتة، في الضاحية الجنوبية لبيروت. وواجه الأردن هجمة انتحارية في موقع القعقان الحدودي أودى بحياة بعض جنوده ورجال أمنه، كما القى رجال الأمن الأردنيون بعد عدة أيام، القبض على مجموعة في جنوب عمان اشتبه بكونها تشكل خلية ارهابية تسعى لتنفيذ أعمال شريرة ومؤذية. وفي الوقت ذاته القت القوات الكويتية أيضا القبض على ثلاث خلايا تخريبية يشتبه بانتمائها الى الدولة الاسلامية، علما أن الكويت قد شهدت قبل سنة أو سنتين، تفجيرات في بعض الجوامع والحسينيات أودت بحياة بعض الضحايا.
ودون أن ننسى سوريا وما لحق بها وبشعبها من الأذى الداعشي، لم تكن تونس قد سلمت أيضا من عمليات ارهابية داعشية في متحف باردو، وعمليات أخرى في بن قردان، وفي حافلة للحرس الجمهوري، بل وعمليات أخرى كثيرة مشابهة. ومثلها بطبيعة الحال ليبيا التي نالت نصيبها من عمليات داعش الارهابية، وانتهى بعضها بالسيطرة على مساحات من الأراضي الليبية. ومثلها أيضا جمهورية اليمن التي تشهد حربا اضافة الى عمليات ارهابية من داعش ومن القاعدة في آن واحد.
وربما سلمت دولة الامارات من أعمال ارهابية كبرى، لكنها لم تسلم قط من التخطيط الارهابي لتنفيذ عمليات كهذه على أراضيها، لكن أجهزة أمنها استطاعت احباط بعض الخلايا، وكان منها خلايا ارتدت ثوب الاخوان المسلمين الذين كادوا يعصفون بحالة الأمن والاستقرار التي شهدتها دولة الامارات على مدى سنوات طويلة منذ استقلالها. ومصر كدول عربية أخرى ، شهدت العديد من الأعمال الارهابية نفذت في سيناء، وقامت ببعضها مجوعة أنصار بيت المقدس المنتمية لداعش، اضافة الى مجموعات ارهابية متحالفة مع داعش كأنصار سيناء، ومنها أيضا الاخوان المسلمون المتعاطفون نوعا مع داعش، علما أن الاخوان قد نفذوا عمليات مؤذية للمصريين في مدن مصرية، ومنها هجمات في القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية.
ولم يقتصر الأمر على الدول العربية، اذ امتدت ضربات وتفجيرات داعش الارهابية، لتشمل فرنسا وبلجيكا، بل والمانيا التي شهدت مؤخرا هجمة ورهائن في احدى دور السينما في أحد مدنها. وكهؤلاء كانت استراليا التي شهدت عاصمتها قبل عامين، عملية واحدة على الأقل ذات صفة ارهابية. ومثلها كندا، وكذلك الولايات المتحدة التي عانت مؤخرا من عملية كبرى في أورلاندو، وقبلها في بيرناردينو، وقبلهما معا في بوسطن.. ويواجه الآن أحد منفذي عملية بوسطن حكما بالاعدام.
واذا كانت كل تلك الدول وغيرها، قد شهدت أعمالا ارهابية نفذتها داعش على أراضيها، أو كادت تنفذها فأحبطتها قوات أمنها، تظل هناك دولة وحيدة من دول المنطقة، آمنة وسالمة حتى من مجرد محاولات لتنفيذ أعمال ارهابية على أراضيها... وتلك هي دولة قطر ... أصغر دول العالم بعد الفاتيكان، لكن أكثرها نفوذا وجبروتا واستخداما لأموال غازها ، كما يرجح البعض، في تمويل وربما تشجيع أو احتواء تنظيمات ارهابية قد يكون أبرزها داعش، اضافة الى احتواء الدولة القطرية لحركة الاخوان المسلمين التي يتواجد في ربوع دولتها الشيخ القرضاوي، الذي بات يشار اليه كالأب الروحي للفكر الاسلامي المتشدد الحديث. وكان هناك في الماضي غير البعيد، أكثر من تقرير أجنبي، يكشف بأن مصادر تمويل داعش ينبع من قطر، وتقول تلك التقارير، أن الأموال ترسل بأسماء مواطنين قطريين.
وتنفي دولة قطر، وجود علاقة لها بداعش أو بتمويلها. ولكنها لم تفسر حتى الآن الأسباب التي منعت داعش من تنفيذ ولو تفجير واحد على أراضيها، كعملية ارهابية واحدة مثلا في الدوحة أو في غيرها من المواقع القطرية، علما أن قطر تضم على أراضيها قاعدتين أميركيتين كبيرتين، يفترض أن تكونا هدفا طبيعيا لهجمات تنفذها داعش.
لكن كل المواقع القطرية ظلت آمنة مطمئنة، حتى المواقع الأميركية فيها، التي يفترض فيها أن تكون أكثر استدعاء لمهاجمتها، كأولوية تتقدم على التفكير الداعشي بمهاجمة المدينة المنورة، بل ومهاجمة موقع فيها قريب من مرقد الرسول الأعظم.
فاذا كانت قطر قادرة على نفي دور لها في تمويل داعش، الذي قد يكون تمويلا غير مباشر، بل من خلال مواطنين قطريين كما سبق وذكرت وورد في عدة تقارير... تظل عاجزة عن تفسير غض داعش نظرها عن قطر كدولة أخرى ينبغي استهدافها بهجماتها التي لا ترحم، كما استهدفت من قبل العديد من الدول العربية الأخرى، اضافة الى تركيا وعدة دول أوروبية وغربية، بل وأميركية أيضا. فما الذي يجعل قطر اذن محصنة من الهجمات الداعشية، غير احتمال كونها راعيتها وممولتها، والدولة التي تصب ماء الحياة في جوفها، بل ودماء الحياة في شرايينها؟
فحتى تفجير صوري، أو هجمة ارهابية كاذبة، لم تقع حتى الآن في قطر، ولو قصد بها أن تكون مجرد عملية تمويهية وتضليلية، لابعاد أنظار العالم عن مواصلة الاشتباه بتلك الدولة الصغيرة كراع لداعش. لكن قطر كما يبدو، لم تعد في غمرة غرورها واصرارها على خطها الغامض، عابئة بما يراه العالم فيها وبسلوكها، معتمدة على ما يعتقد أنه نابع من ثقتها المطلقة بربيبتها المحتملة، أي الدولة الاسلامية، وبكونها مقبلة في نهاية الأمر، على تحقيق النصر الذي سيوسع من مناطق ومساحة نفوذ الدولة القطرية باعتبار داعش امتدادا لها.
وتنسى الدولة القطرية التي وقع اميرها، الأمير تميم، في مرحلة غير بعيدة، وثيقة تحالف استراتيجي مع تركيا، واذا بحليفتها تركيا التي سبق لها وقدمت الدعم الكثير لداعش، تمثل أقله بفتح الحدود لها لمرور المقاتلين والأسلحة اليها، اضافة الى شراء مبيعاتها من النفط المستخرج من الآبار السورية والعراقية... تبدأ الآن بتلقي ضربات من داعش في مواقع تركية عديدة كان آخرها في مطار كمال أتاتورك في اسطنبول. فداعش لا أمان لها. ولا حليف دائم لها الا من يرعى مصالحها. ولعل توجيهها تلك الضربات المتلاحقة لتركيا، أريد بها تحذير حلفائها الآخرين، ربما كقطر مثلا، من غضبها اذا ما خذلها الحليف ولو خذلانا بسيطا.
ولايستطيع أحد أن يجزم بالدور القطري المتعلق بالدولة الاسلامية. لكن الغريب في الأمر، أن الولايات المتحدة لم تلحظ بعد على وجه اليقين، دورها الخفي المحتمل في القضية الداعشية رغم تواجد القواعد العسكرية الأميركية على الأراضي القطرية، وهي قواعد مزودة بأجهزة كبيرة من المخابرات العسكرية وغيرها من أنواع أجهزة الاستخبار التي لا تعتمد في معلوماتها على ما يراه عملاؤها الأرضيون فحسب، بل أيضا على ما يصلها يوميا وبين دقيقة وأخرى، من بيانات تزودها بها أقمار التجسس الأميركية الصناعية التي هي قادرة على ملاحقة ومراقبة، لا مجرد أمير البلاد وأعضاء الحكومة القطرية فحسب، بل كل من يدب على الأرض القطرية سواء كانوا من المواطنين أو من الأجانب.
فكيف يخفى على تلك الأجهزة الاستخبارية حقيقة ما يحدث في قطر، وخصوصا احتمالات تواجد نوع من التعاطف مع داعش كحد أدنى، تعاطف تعززه المؤشرات التي سجلها أكثر من تقرير، عن تمويل قطريين (ولا نقول بالضرورة حكومة قطر) لداعش، اضافة الى المؤشر الآخر والذي بات أكثر أهمية، وهو نجاة الدوحة وغيرها من المواقع القطرية، حتى من مجرد محاولات داعشية لالحاق الأذى بقطر، بشعبها، بحكومتها... بأي نوع ولو طفيف من الأذى، فسلمت دون غيرها من دول المنطقة... من أذاهم الدامي والمدمر؟