"الحلم والواقع" قصيدة للشاعر "حسن منصور"
ينشر موقع صدى البلد قصيدة "الحـــلــم والـــواقــــــع"، للشاعر المصري "حسن منصور"، من المجموعة الثانية عشرة؛ لديوان "عندما تنكسر الدائرة"، فتقول القصيدة:-
أنا حَـسْبي في عـيْشِيَ الأحْــلامُ || فعَــليْهــا أصْحـو وفــيهـا أنامُ
وعـلى مَتْـنِهـا قَـطعْـتُ الفـيافي || أمْـتَطـيهـا وفي يَـدَيَّ الـزِّمــام
ومَضتْ بي تَجوبُ صحْراءَ عُمْري || وبهـذا ضاعَـْت بِيَ الأعْـوام
وكَـأنَّ الـسَّرابَ فـيهــا زَمــاني || وكَـأنَّ الـرّمـالَ فــيهـا الطَّعـامُ
بَـــدَويٌّ أنـا يَجــوبُ الــبَراري || أَلِـفَـــــتْهُ الْــــوِهــــادُ والآكـام
كلُّ هــذي الرُّبوعِ حَـــوْلي قِفارٌ || وَبِقُــرْبي يعــيشُ فــيهـا الأَنام
إنَّمــا لَسْـتُ أَلْمَـسُ الْــوُدَّ فــيهم || بل وُجــوهًا طَغى عَليْها القَتام
ونُفــوسًا مَـريضةً فـي رُؤاهــا || وَقُــلـوبًا سَعى إلَـْـيهـا السَّقــام
عيشَتي في الصَّحراءِ أكْثَرُ أمْنًا || وَائْتِناسـًا إذْ كانَ عندي السَّوام
ثُبْـتُ مِـنْ حُلمِيَ الذي كُنْتُ فيه || يَــــوْمَ أدْرَكْــتُ أنَّــهُ أوْهــــام
*****
أنا ســيزيفُ لم أزَلْ في عَــنـاءٍ || وسَـأبْـقى حَــتى يَحِــمَّ الْحِـمـام
إنَّمــا صَخْـرَتي نُفـوسٌ تَهـاوَتْ || إنْ تُحَــلِّـقْ تَرْتَـدَّ وهْـيَ حُـطـامُ
فَـــأراني لَمْــلَمْـتُهــا دونَ يَـأسٍ || عَــلّها تَشْـفى أوْ يَجيءَ الْـتِـئـام
وأُنــادي فَـلا أُلاقـي مُـجــيـبــًا || يَتَمَــطّى لــوْ عَــزَّ مِنْهُ الـكَلام
آهِ مـا أشْـقى مَـنْ يَكونُ وَحـيدًا || بَيْـنَ قَـــوْمٍ عَــنِ المَكارِمِ ناموا
وخُــمـولٍ أنـاخَ فَــوْقَ جُـسـومٍ || بــارِداتٍ كَــأنَّهـــــا أصْـــــنام
رَقَــدوا والـــرُّقــادُ شَــرُّ بَـلاءٍ || فـيهِ ذاقَـتْ هَــوانَها الأَقْـــــوام
نَشَرَ الْـفَــجْـرُ نورَهُ مُـنْذُ حــينٍ || ومَـعَ الضَّـوْءِ رفْـرَفَتْ أَعْـلام
وَأَرى الشَّمْسَ في السَّماءِ تُنادي || أَنْ أَفيقوا فَفي ضِيائي السَّـلام
لِمَ لا تَنْهَـضونَ والـرَّكْبُ ماضٍ || مَـنْ يَنَـمْ فَالمُـنى عَليْهِ حَــرام
انْهَــضوا قدْ عَـمَّ الضِّياءُ وَأنْتـم || في مَـكانٍ طَـغى عَـلـيهِ الظّلام
انْهَـضوا لَمْ يَظَـلَّ حَيٌّ سِـواكُــمْ || نائِمــًا قـدْ تَـدوسُـهُ الأَقْـــــدام!!
******
آهِ يـا مـاضِـيًا جَـمــيلًا تَـــوَلّـى || فــيهِ تَحــيا القًـلـوبُ والأحْـلام
سـاكِـنٌ في الفُــؤادِ يَبْقى جَديدًا || وَلَــهُ في أسْـمـاعِــنا أنْــغــــام
كُلَّـما هَــبَّتْ مـنْ رِياضِكَ ريحٌ || أوْ سَرى طَيْفٌ أوْ وَعَتْ أفْهام
ثارَتِ الأدْمُــعُ الحَـزينَةُ تَهْـمي || شاقَهـا لـلـرُّجـوعِ ذاكَ المَـقـام
أيُّهـا الماضي لا نُريدُ رُجـوعًا || أوْ نُكـوصًا وَقَـدْ دَعـانا الأَمـامُ
إنّمـا أنتَ في القُـلــوبِ ضِـياءٌ || مِـنْكَ يأتيـنا بِالـهُــدى إِلْـهــام
نَحْـنُ نَبْـغــيـكَ لِلْحَــياةِ مَــنارًا || تتَجَـلّى في ضَـوْئِهِ الأَحْــــكام
أُمَـمٌ قَـبْلَـنا إلى المَجْــدِ سارَتْ || في يَدَيْــهـا يَراعُـهـا وَالحُـسامُ
فَهْيَ تَبْني بِفِكْرِها صَرْحَ عِـزٍّ || وَهْـيَ تَحْـمي بِعَـزْمِها ما يُقـام
أَكْرَمَتْ نَفْسَها فَعَزَّتْ وَسادَتْ || فَهْـيَ لِلــنّاسِ قُـــدْوَةٌ وَإِمـــــام
يَدُها الْعُلْيا في المَحافِـلِ دَوْمـًا || وَلَها الْأَمْرُ وَالرِّضى وَالْخِصامُ
فَكَأَنَّ الأمْجــادَ وَقْــفٌ عَليْهــا || وَكَأنَّ الْـــوَرى لَـهـــا خُــــــدّام
فَـبِـكَـــدٍّ لا بـالـتَّسَـوُّلِ ســادوا || هـكَـذا دائِمـــًا يَســودُ الهُـمــــام
وَالْـيَدُ السُّفْـلى لَمْ تَزَلْ يَـدَ طاوٍ || لِـبَـقــايـا فُــتـاتِـهِـــمْ قَــمّـــــــام
فَــمَـتى يَشْعُـرُ المُواطِنُ يَوْمًا || أَنَّـــهُ فـي بِــــلادِهِ لا يُـضــــام
عَرَبيٌّ في أرْضِهِ ليسَ عَـْبدًا || فــي عَــبـيــدٍ كأنـَّهُــمْ أَنْـعــــــام
وَمَـتى يَـرْفَــعُ الظَّلامَـةَ عَنْهُ || ظالِــمــاهُ: الـغَــريـبُ والحُــكّـام
قدْ عَرَفْنا الأيّامَ سودًا وَبيضًا || تِلكَ صَيْرورَةٌ عَـــليْهـا الــــدّوام
فَجْأةُ الغـيْبِ لا مِراءَ سَتَأتي || فَــارْتَقِـــبْ ما تخُـــطُّـهُ الْأقْــلام
وَاحْبِسِ الأَنْفاسَ الحَزينَةَ واهْدَأْ || وارْتَـقِـــبْ مـا تُـخَــبِّئُ الأيّـــامُ