قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لعبة التفاوض بين تركيا وجوارها


خرجت تركيا منهكة ومرهقة من صراع داخلى كبير وممتد المفعول .. إذ أن التحرك الذى قامت به وحدات عسكرية صغيرة الحجم نسبيًا .. تم تصويره على أنه انقلاب كبير وضخم .. ثم تمت صياغة صورة ذهنية عن خروج جماهيرى كبير للتصدى للانقلاب المزعوم .. في حين أن عدد من نزلوا الى الشوارع في الأيام الأولى لم يتخط عشرات الالاف على أقصى تقدير .. وبدا واضحًا أنه تم شل القرار الاستراتيجي التركى والمتمثل في الجيش التركى . وتمت زعزعة استقرار مركز القرار السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية.

انحدر الوضع في تركيا من مجرد تمرد صغر أو كبر من داخل الجيش الى صدام شامل، قاده رجب طيب أردوجان ليس فقط ضد الجيش أو الشرطة وإنما على صعيد الجهاز الادارى للدولة التركية، كذلك يبدو أن هناك نزاعا بدا ظاهرًا بين كاريزمتين مؤثرتين .. وهما اردوجان بطبيعة الحال وهاكان فيدان رئيس جهاز استخباراته.

من هذا المنطلق يمكن قراءة الاتجاهات السياسية الجديدة لأردوجان .. والتي يبدو ظاهريًا أنها إعادة احياء للعلاقات الروسية التركية وكذلك مد الجسور مع ايران ... المدهش أن الوتيرة التي يحاول بها اردوجان تسريع المفاوضات وعملية حرق المراحل التي يتبناها من أجل الوصول لتفاهمات محددة مع كل من روسيا وايران .. توحى بأن أردوجان ينفذ تكتيك الهروب الى الأمام .. وليس بصدد تغيير في المسار .. أو بالأحرى لا يمتلك القدرة على التغيير أساسا.

يحتاج اردوجان لروسيا .. لتحسين موقفه التفاوضى مع واشنطن والغرب. ويمكن اعتبار زيارته الى موسكو ورقة ضغط على الأمريكيين من أجل تحسين شروط التفاوض الداخلية .. كذلك يعلم اردوجان أنه مُطالب في المقابل بتقديم تنازلات فعلية لكل من موسكو وطهران .. في سوريا على الأقل .. مع أنه لم يعد يمتلك القدرة على المناورة بعيدًا عن تصورات حلف الناتو .. الذى يرى أن له دورا جيوسياسيا في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز ولابد له للبدء فيه إذا أراد ان يكمل كلاعب وطرف فاعل في داخل تركيا وخارجها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .. قام بمناورة سياسية لها دلالاتها الواضحة .. فقد عقدت كل من روسيا وأذربيجان وايران قمة قبل ساعات من لقاء أردوجان بالرئيس الروسي .. القمة الثلاثية يبدو من نتائجها أنها لم تكن قمة تشاورية فقط .. فقد كانت قمة تأسيسية لإطار جديد من العلاقات الجيواستراتيجية بين الدول الثلاث.. وكانت الرسالة الأبرز لاردوجان ليس لك مكان في القوقاز .. ولا تفكر أن تذهب بعيدًا .

من جهة أخرى يبدو أن أردوجان انتقل الى مرحلة جديدة من المناورات البينية في محاولة منه لتوفير ارضيه مرنة في التعامل مع الوضع في سوريا.. خاصة بعد أن فقد قدرته على استخدام الجيش التركى سواء في سوريا أو العراق .

أولا بدأ اردوجان اللعب على وتر القضايا الخلافية بين روسيا وايران فيما يتعلق بسوريا .. وقد كان الاكراد هم نقطة التلاقي الواضحة بين طهران ومدينة إسطنبول – مركز النفوذ السياسي لاردوجان – ومن جهة أخرى .. قد بدأت هذه المناورة بطلب الخارجية التركية من أمريكا الالتزام بتعهدها بإنسحاب قوات البيشمركة من منبج فى سوريا .. وردت أمريكا بانها ستعمل على انسحاب الاكراد من منبج والمناطق الحدودية.

بالتزامن مع ذلك أعلنت ايران وتركيا أنهما تؤكدان على وحدة سوريا ... وذلك بهدف واحد هو حصار الحالة الكردية فى سوريا كبداية لتحجيم النفوذين العسكرى والسياسي الكردى في العراق وسوريا .. خاصة ان الحالة الكردية اكتسبت نفوذًا محليًا وعالميًا منحها شرعية دولية .

بعدها بساعات قامت ميليشيات داعش بشن هجوم واسع على البيشمركة فى كركوك ونينوى فى العراق. ويبدو واضحًا ان أكبر المستفيدين هما تركيا وطهران وربما هما من أطلقا إشارة البدء لداعش بتأثيرات مختلفه وأهمها العلاقات التركية الداعشية القوية.

إن الهجوم الداعشى ربما يكون بداية لأن تتجه داعش الى استنزاف القدرات الكردية بما يصب في مصلحة ايران التي تريد تخفيف الضغط على بغداد ونفوذها هناك .. كذلك سيؤدى الهجوم الداعشى على العراق الى اضطرار قوات البيشمرجة الى سحب قواتها من منبج والمناطق الحدودية السورية مع تركيا وتوجيهها لصد الداعشيين في العراق.

سيستمر اردوجان في الرقص على إيقاع الأحداث .. دون القدرة على فعل شيء يذكر .. فالدور المرسوم لتركيا في ظل اتفاق دولى كبير .. هو أن يظل "ميكروفون" لجمهور الحركات الإسلامية في المنطقة العربية .. ومصدر للتوتر والتجاذب العربي .. فليس المطلوب من تركيا ان تلعب دورًا مكملًا للعرب .. المطلوب منها أن تصبح شريكا في تشتيت انتباه العرب.