الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زيارة الرئيس السيسى لنيودلهى نقطة فارقة فى علاقات البلدين.. الهند ثالث أكبر مستورد من مصر وعاشر أكبر مصدر لها.. و4 مليارات دولار حجم التبادل التجاري سنويًا بين البلدين

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي

  • 4 مليارات دولار حجم التبادل التجاري بين مصر والهند سنويًا
  • مصر والهند تمثلان حجر الزاوية فى التنسيق بين دول العالم النامى للدفاع عن مصالحها
  • اقتصاد الهند حقق نموًا بنسبة 7.9% خلال الربع الأول من العام الحالي
  • الهند ثالث أكبر مستورد من مصر وعاشر أكبر مصدر لها
  • 50 شركة هندية تعمل في مصر باستثمارات 3 مليارات دولار
تعتبر الزيارة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى نيودلهى خلال الفترة من الأول حتى الثالث من سبتمبر المقبل، فرصة مواتية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر والهند على أسس المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة البلدين، علاوة على كونها نقطة فارقة فى العلاقات التاريخية والتنسيق الإيجابي بين الجانبين لدعم التنمية المستدامة والدفاع عن مصالح الدول النامية فى المحافل الدولية.

وحرصت حكومتا مصر والهند على التأكيد على أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى نيودلهى – التى تأتي بناءً على دعوة من الرئيس الهندي "براناب موخرجى" - تصب في إطار حرص البلدين على تعزيز العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربطهما على جميع الأصعدة، وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ولا سيما مكافحة الإرهاب وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمى.

وستتناول المباحثات التى سيجريها الرئيس السيسى مع كل من الرئيس الهندي موخرجى، ونائب الرئيس محمد حميد أنصاري، ورئيس الوزراء "ناريندرا مودى"، بالإضافة إلى عدد من كبار المسئولين ورجال الأعمال الهنود، سُبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ولاسيما الاقتصادية والاستثمارية والتنموية في ضوء التجربة الهندية المتميزة في تحقيق التنمية الشاملة وتنويع قاعدة صناعتها الوطنية، فضلًا عن العمل على زيادة وتنويع التبادل التجارى بين البلدين الذي تجاوز 4 مليارات دولار سنويًا، علاوة على بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وسيركز الشق السياسى من المباحثات التى سيجريها الرئيس السيسى مع قادة الهند على ثلاثة محاور:

أولا: المحور الثنائى، ويتمثل فى بحث سبل تعزيز العلاقات المصرية الهندية، وتفعيل آليات الحوار والتشاور الثنائى، واستثمار رصيد العلاقات التاريخية لدعم التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المشتركة.

ثانيا: المحور الإقليمي، ويتمثل فى مناقشة تطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات الهندية العربية من ناحية والتعاون الهندى الأفريقى من ناحية أخرى فى ضوء استضافة نيودلهى لقمة منتدى الهند – أفريقيا فى أكتوبر 2015، وحرص الحكومة الهندية على تدعيم علاقاتها السياسية والتجارية مع الدول العربية والأفريقية من خلال استفادتها من رصيد علاقاتها التاريخية والمتميزة مع مصر.

ثالثا: المحور الدولى، ويتمثل فى بحث العديد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها سبل مواجهة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، ومكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف من خلال التنسيق الدولى، ومواجهة العوامل التى تغذى تلك الظاهرة، وخطط إصلاح الأمم المتحدة، وحماية مصالح الدول النامية فى مفاوضات تحرير التجارة العالمية.

وفى ذلك الصدد، أكد سفير الهند بالقاهرة سانجاى باتاتشاريا أن الشراكة المصرية الهندية تنعكس بشكل إيجابي ليس فقط على البلدين ولكن على التعاون بين دول الجنوب النامى أيضا، مشددا على أن "مصر تمثل أحد أهم الشركاء الأساسيين للهند بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا".

وتُمثل كل من مصر والهند قوة الدفع الرئيسية لحركة عدم الانحياز، ومجموعة دول الـ15، وحجر الزاوية فى التنسيق البناء بين دول العالم النامى للدفاع عن مصالحها ومواجهة محاولات الدول الكبرى لتهميشها سياسيا وتجاريا.

واتسمت المواقف الهندية تجاه مصر وشعبها بالإيجابية، حيث أيدت نيودلهى خريطة الطريق المصرية التى أعلنت عقب ثورة 30 يونيو عام 2013، التى تمثلت فى إقرار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مبدية احترامها ودعمها لإراداة الشعب المصرى.

وأكد رئيس الهند براناب موخيرجي ورئيس الوزراء ناريندرا مودي – فى رسالتى تهنئة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2014 - ثقتهما أن مصر ستشهد تحت قيادة الرئيس السيسى عصرًا جديدًا من الاستقرار والرخاء، بينما أبدت الحكومة الهندية أيضا رغبتها فى التعاون مع الرئيس السيسى لدعم العلاقات الثنائية لتلبية طموحات الشعبين.

فى المقابل، أعرب الرئيس السيسي - خلال استقباله المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الهندى فى يوليو 2015 - عن تطلع مصر لتنمية العلاقات الثنائية مع الهند فى مختلف المجالات، مشيدًا بالتجربة الهندية فى تحقيق النهوض السياسى والاقتصادى.

وفى بادرة تعكس حرص البلدين على تعزيز التعاون والتنسيق المشترك فى جميع المجالات، التقى رئيس الوزراء الهندى الرئيس عبد الفتاح السيسى مرتين، الأولى فى سبتمبر عام 2015 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية فى أكتوبر الماضى خلال قمة منتدى الهند وأفريقيا بنيودلهى.

وفى المجال الاقتصادى، تسعى مصر والهند إلى تعزيز حجم التجارة الذى تجاوز 4 مليارات دولار، والاستثمارات المشتركة فى ضوء التباطؤ الحالى فى النمو والتجارة على المستوى العالمى، والنمو الاقتصادى القوى الذى حققته الهند خلال الأعوام العشرة الأخيرة والإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها حاليا مصر لدعم النمو وتعزيز بيئة الاستثمار.

وأظهرت البيانات الرسمية أن اقتصاد الهند حقق نموًا بنسبة 6.9 فى المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، في الوقت الذي حقق فيه اقتصاد الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، نموًا بنسبة 7.6 فى المائة خلال الفترة ذاتها.

وتتوقع مؤسسات اقتصادية دولية من بينها جولدمان ساتش، أن يصل معدل النمو الاقتصادى الهندى خلال العام الجارى إلى 7.9 فى المائة مدعوما بالإصلاحات الاقتصادية التى نفذتها الحكومة الهندية وزيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، والأجور الحكومية.

وشهدت التجارة والاستثمارات بين مصر والهند نموا ملحوظا خلال الأعوام الخمس الماضية رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمى، حيث حققت التجارة الثنائية بين الجانبين نموا قدره 60 فى المائة خلال الأعوام الخمس الأخيرة لترتفع من 3.3 مليار دولار عام 2010/2011 إلى 76.4 مليار دولار عام 2014/2015، وبلغت قيمة صادرات الهند إلى مصر 2.3 مليار دولار، بينما بلغت قيمة واردات الهند من مصر 74.1 مليار دولار، وبهذا تعد الهند ثالث أكبر مستورد من مصر بعد إيطاليا والمملكة العربية السعودية وعاشر أكبر مصدر لها.

ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة فى مصر أكثر من 50 شركة باستثمارات تصل إلى 3 مليارات دولار (غالبيتها فى القطاع غير النفطى)، وتوفر حوالى 35 ألف فرصة عمل للمصريين وتساهم بشكل كبير فى نمو قيمة الناتج المحلى الإجمالي والصادرات بمصر.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأعمال المصرى الهندى بكامل تشكيله اجتماعات بنيودلهى مطلع سبتمبر المقبل لبحث فرص الاستثمار بالسوق المصرية، فى إطار رغبة حكومتى مصر والهند فى تعزيز الاستثمارات الهندية بمصر لترتفع إلى 8 مليارات دولار وحجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2018 .

وفى ذلك الصدد، قال رئيس الجانب المصرى بمجلس الأعمال المصرى الهندى خالد أبو المكارم، إن 14 شركة مصرية ستشارك فى اجتماعات المجلس بنيودلهى، لافتا إلى أن المجلس بالتعاون مع الحكومة الهندية سينظم أيضا منتدى اقتصاديا لبحث وتعزيز فرص الاستثمار، والتجارة بين البلدين.

وتتمثل أبرز الاستثمارات الهندية فى مصر – التى تتركز غالبيتها فى المناطق المتاخمة لقناة السويس كالإسماعيلية والسويس وبورسعيد - فى شركات الإسكندية لأسود الكربون، وأتوماتيك للصناعات، ودابر مصر المحدودة، وإيجيبت جلوبال سيلكات، والمصرية الهندية للبوليستر، وإمبى إنترناشيونال للصناعات، وإسيل بروباك مصر للتعبئة المتطورة، وفيليكس بى فيلمز، وهيئة الغاز الهندية المحدودة، وجالاكسى للكيماويات، وكيرلوسكار برازرز المحدودة، والمنصورة للراتنجات والصناعات الكيماوية، وماريكو مصر للصناعات، ومصر هايتك الدولية للبذور، ومونجينى للأغذية والخدمات، ونايل إيجيبت للصناعات البلاستيكية، وفارميد هيلث كير، وسكيب للكيماويات، وتى. سى. أى. سينمار للكيماويات، وأوبروى سهل حشيش، ومجموعة شركات فيلوستى.

من جانبه، توقع سفير الهند فى مصر زيادة الاستثمارات المشتركة فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لافتا إلى أن المستثمرين الهنود ينظرون إلى مصر على أنها سوق كبيرة مواتية على المدى الطويل.

ووقعت مصر والهند خلال العقود الماضية العديد من الاتفاقيات لدعم التعاون الاقتصادى والتجارى وتشجيع الاستثمارات المشتركة، من أبرزها: اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي عام 1969، واتفاق إنشاء اللجنة المشتركة عام 1983، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة عام 1997، ومذكرة تفاهم في مجال ترويج وتنمية الصادرات عام 1998، ومذكرة تفاهم في مجال التجارة والتعاون الفني عام 2008.

وتسعى الهند من وراء تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع مصر إلى زيادة حجم تجارتها مع القارة الأفريقية، خاصة عقب إطلاق منطقة التجارة الحرة بين التكتلات الأفريقية الثلاث: الكوميسا، وسادك وإياك، التى تضم فى عضويتها 26 دولة أفريقية بشرم الشيخ فى يونيو عام 2015، علاوة على الاستفادة من الميزات التنافسية التى تتوفر بالسوق المصرية.

من ناحية أخرى، شهدت الهند تحولات بارزة منذ تطبيق سياسة الإصلاح والتحرر الاقتصادى خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضى، وساهم ذلك فى تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتكامل الاقتصاد الهندى مع الاقتصاد العالمى، ما ساعد على نمو قطاع الأعمال الرسمى بتلك الدولة وزيادة حجم ناتجها المحلى الإجمالي إلى حوالى تريليونى دولار.

وتحتل الهند المرتبة الأولى عالميا فى مؤشر النمو الابتكار والقيادة، والمرتبة الأولى أيضا على قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة فى المجالات الجديدة، وقائمة الاقتصاديات الأسرع نموا على مستوى العالم، كما تقدم تصنيف الهند - التى تعد الوجهة المفضلة الأولى للشركات متعددة الجنسيات المتخصصة فى مجال التكنولوجيا - إلى المركز السادس عشر فى مؤشر التنافسية العالمية عام 2015 – 2016.

وشهد قطاع التجارة بالهند نموا ملحوظا، حيث بلغ حجم تجارتها حوالى 760 مليار دولار في العام المالى 2014/2015، وارتفعت قيمة الصادرات الهندية إلى 310 مليارات دولار وحجم وارداتها إلى 450 مليار دولار في العام المالي 2014- 2015، بينما زاد احتياطي النقد الأجنبى إلى 367 مليار دولار فى 19 أغسطس 2016.

وارتفع حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشر بالهند بنسبة 24 فى المائة لتصبح 44.9 مليار دولار 2015 مقابل 36 مليار دولار في العام المالي 2014 رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمى.

من ناحية أخرى، ظهرت الهند كإحدى أقوى الدول فيما يتعلق بالصفقات التي تتم حول العالم والمرتبطة بعمليات الاندماج والاستحواذ فى عام 2014، حيث عقدت الشركات الهندية صفقات دولية بلغت قيمتها 38.1 مليار دولار مقابل 28.2 مليار دولار في عام 2013.

وشهدت الاستثمارات الهندية في الخارج عمليات تحول كبيرة ليس فقط من حيث الحجم، لكن من حيث الانتشار الجغرافي، وبلغت الاستثمارات الهندية في أفريقيا - على سبيل المثال - 32.3 مليار دولار من بينها 3 مليارات دولار في مصر وحدها، بينما وصل حجم التجارة الثنائية بين الهند ودول أفريقيا إلى 72 مليار دولار في العام المالى 2014 – 2015.

وفى المجال الدفاعى والأمنى، يوجد تعاون وثيق بين مصر والهند فى مجال الدفاع، والذى يتضمن تبادل زيارات المسئولين العسكريين، والتدريبات.

فى السياق ذاته، حذرت مصر والهند المجتمع الدولى من الخطر الذى يشكله الإرهاب على الأمن والاستقرار الدوليين، حيث أكدتا ضرورة تعزيز التعاون الدولى لمكافحة الإرهاب والتطرف.

وتؤكد المؤشرات أن زيارة الدولة التى سيقوم بها الرئيس السيسى للهند سوف تعد نقطة تحول فارقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين سياسيا واقتصاديا وأمنيا فى ضوء تغير موازين القوى على الساحة العالمية وتنامى دور الهند السياسى والاقتصادى آسيويا وعالميا، وعودة مصر لممارسة دورها التاريخى والمحورى فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وعضويتها (مصر) غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى ومساهماتها الفعالة فى دعم جهود تسوية المنازعات الإقليمية والدولية سلميا.