كيف تصنع "الضحكة" الرأى العام؟

ما هو الأسهل لك .. أن تقرأ مقالًا اقتصاديًا متخصصًا .. أو أن تقرأ نكتة مصورة عن أرتفاع الأسعار والضرائب .. بالتأكيد ستكون النكتة أقرب وأحب .
سؤال آخر .. كم مرة كنت تشاهد مباراة للأهلى أو الزمالك ؟ .. وتنتظر حتى يفوز فريقك .. فتقوم أنت بعمل share لكوميكس من صفحات التواصل الاجتماعى .
تقول الدراسات إن حجم متابعى المواقع الإخبارية والمتخصصة، وكذلك صفحات الفيسبوك التابعة للصحف والمجلات لا يتخطى 5% من المتابعين على شبكات الأنترنت.
في حين تُقبل الغالبية الكاسحة من مستخدمى الانترنت على صفحات الكوميكس والترفيه و الصفحات التي تقدم حكماً ومواعظ .. ولا شك أن هذه الصفحات بمحتواها هي جزء من فكرة التواصل الاجتماعي الطبيعي.
لكنها تحولت مع الوقت من صفحات للتواصل إلى صفحات للتوجيه النفسى فما أكثر الحكم الفلسفية التي تدعو إلى الانعزال الاجتماعى .. فيوميًا تمطرنا هذه الصفحات بسيل طويل من الحكم والمواعظ التي تقول لك .. إن البشر سيئون والحياة صعبة .. ولن أدخل في النصائح الزوجية التي تعطى انطباعات غير ظاهرها.
المتابع بتمعن يجد أن هذه الحكم الفلسفية .. تدعو إلى الانعزال الاجتماعى وعدم الثقة في المحيط المباشر للفرد .. وتُعمق شعوره بالعزلة.
الكوميكس الشهير " that moment لما أبوك أو أمك " .. وإعادة تأسيسه للعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة بشكل غير مباشر .. بطريقة ساخرة ومضحكة جدًا .. والتي تبعتها بعد ذلك حملة " جيل عرة " .
تستطيع هذه الصفحات أن تقدم المواساة اليومية لكل المجروحين عاطفيًا .. أو تزيل الأعباء النفسية عن المتابعين بضحكة عابرة .. لكنها دون سابق إنذار ودون أن تشعر أنت .. تتجه إلى السياسية .. والمثير هنا .. أنها تستغل متابعتك اليومية لها للتأثير فيك نفسيا كفرد وفى المجتمع بصناعة المزاج العام أيضًا.
يبدو ظاهرًا أن هذه الصفحات ليست نتاج أفراد عاديين .. فهى تعمل طوال الأربع وعشرين ساعة ... ويقوم متخصصون فيها في انتاج وتركيب اعمال الفوتوشوب الخاصة بها .. بالإضافة الى مجموعات أخرى تمارس الكتابة الفكاهية للتعليق على الأخبار.
سرعة هذه الصفحات في التجاوب مع الأخبار لافتة .. فبمجرد حدوث الخبر تتناول هذه الصفحات في أقل من 15 دقيقة .. فيديوهات ساخرة .. أو صورة مركبة .. ولا شك أن هناك دولاب عمل ضخم يقف وراء هذه الصفحات.
تعتمد هذه الصفحات على ثقافة المانشيت .. والمانشيت أو العنوان الصحفى لابد أن يكون مثيرًا .. وكم من مرة قرأنا أخبارًا ووجدنا عنواينها لا تعبر عن الخبر المكتوب إطلاقًا.
تتبنى هذه الصفحات اتجاهات سياسية بعينها .. وتسعى الى تضخيم الازمات السياسية وترسيخ أفكار اجتماعية على نمط ازدراء النفس والتشكيك في كل شئ.
ستجد ان اغلب صفحات السخرية ترسخ يوميًا منطق تحقير الجنسية والهوية المصرية والتهوين والتسخيف من أي اعتزاز أو طموح قومى .. وتعتمد في سياستها على دراسة جمهور متابعيها والشرائح التي تستهدفها بعناية فائقة.
بالطبع ليست كل الصفحات موجهة .. أو أن كلها تقف وراءها منظومة تحرير ربما اكبر من موقع الكترونى أو صحيفة ورقية .. بعضها يتم انتاجه بواسطة شباب طبيعيين جدًا يمتازون بالحس الساخر . ومعظمهم يكونون في فترة الشباب أو المراهقة.
المدهش هنا أن كثيرين باتوا لا يقرأون الاخبار من مصادرها .. ويفضلون أن يتابعوا الأخبار في شكل كوميكس.
باتت الكوميكس هى قائد الرأى العام فى المجتمع .. يكتبها غير المتخصصين أو الموجهين .. ويتناقلها الشغوفون بسحر النكتة ... الخلاصة اضحكوا لكن لا تبنوا آراءكم تجاه مجتمعكم وأنفسكم بناء على آراء موجهة أو حتى تأثرًا بسخرية بعض المراهقين.