قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الشرطة الإقليمية المصرية


عادت فى الأونة الأخيرة الأحاديث حول زيادة جرائم سرقة السيارات بالاكراه على بعض الطرقات، وعمليات خطف الأفراد بدافع الابتزاز المال، التى راح ضحيتها عدد من الابرياء بخاصة فى الصعيد، وزادت معها نبرة الأحاديث الجانبية على مواقع التواصل الاجتماعى عن وجود نوع من التراخى الأمنى فى التعامل معها أو العجز عن القبض على الجناة لأسباب عديدة.

وهو ما بات يفرض علينا جميعًا البحث عن أسباب الفشل أحيانًا أو العجز فى أحيان أخرى فى أنقاذ الضحايا , وقد يكون السبب الرئيسى فى ذلك ناتج عن عدم وجود تنسيق كافى بين الضباط المختصين بالبحث والتحقيق فى هذه القضايا , ومحدودية نطاق سلطة ضابط الشرطة من الناحية الادارية.

فكل قسم شرطة له نطاق عمل محدد له , ومن الصعب على رجل الشرطة التقليدى فى ظل زيادة الأعباء الامنية أن يتجاوز منطقة عمله الى مناطق أخرى، لأعادة سيارة مسروقة أو أعادة مخطوف من مكان خارج نطاق دائرة أختصاصه , أو متابعة جريمة متعددة الشركاء ومتعددة الأماكن , وأقصى ما يمكنه عمله هو مخاطبة رؤسائه، اللذين بدورهم يخاطبون نظرؤاهم فى المديريات وأحيانًا يتم ذلك عن طريق الوزارة نفسها.

وهى عملية إدارية طويلة ومعقدة وتعتمد بالأساس على الطبيعة الشخصية لضابط الشرطة , فضباط الشرطة مثلهم مثل باقى المهن فى العالم , فيهم المجتهد وغير المجتهد , منهم صاحب الفكر الإبداعى ومنهم صاحب الفكر التقليدى , ولكنهم جميعًا محكومون باللوائح والقوانين الادارية التى تنظم أختصاصات ومناطق عمل كل واحد منهم , وأى تجاوز لها تعرضهم للمسائلة الادارية، والمراسلات المتعددة بين الاقسام والمديريات تعرض جهود أى ضابط لخطر كشفها أمام الجناة , وتفقدها أهم ميزة فيها وهى السرية.

ولذا تجد معظم قضايا السرقة ذات الطابع الاقليمى تواجه بما يعتبره المواطن العادى نوعًا من التراخى، والبعض يصل به سوء الظن الى الاعتقاد بأن أحد العاملين متواطئ مع الجناة، لأن الاجراء التقليدى هو تحرير محضر إدارى بالواقعة، وطلب تحريات المباحث، ثم عرض على النيابة المختصة، وفى أحيان كثيرة يضطر الضحية الى الرضوخ لطلبات الجناة نتيجة يأسه أو شكه فى إمكانية مساعدته بواسطة الشرطة، فما هو الحل لهذه المعضلة ؟ وهل من الممكن تفريغ عدد من الضباط لهذه النوعية من الجرائم؟

الحل من وجهة نظرى هو ايجاد كيان شرطة مستقل داخل وزارة الداخلية يتولى هذه القضايا وكل القضايا ذات الطابع الاقليمى، التى يتواجد أطرافها فى أكثر من مدينة أو محافظة مصرية، ويكون نطاق عمل الجهاز أو الكيان الجديد هو كامل جمهورية مصر العربية , ويكون له صلاحيات على باقى أجهزة الشرطة التى يحتاجها لأداء عمله , بمعنى ان تكون له سلطة أعلى من سلطة اقسام ووحدات الشرطة فى المدن والمراكز والقرى , وهو شئ تم تجربته فى مكافحة المخدرات ولاق نجاحًا ملحوظًا الى حد ما , فنحن بحاجة الى شرطة أقليمية غير مرتبط عملها بدائرة قسم بعينه أو محافظة بعينها , وتملك من حرية الحركة ما يمكنها من متابعة الجناة وضبطهم اينما وجدوا.

وتتولى قضايا سرقة السيارات على الطرقات بين المحافظات أو خطف الافراد بدافع طلب الفدية ونقل الضحايا الى مدينة أو محافظة أخرى غير محل الواقعة , وغيرها من القضايا الاقليمية , ويكون تحويل هذه القضايا اليها عن طريق الاقسام والوحدات الشرطية , كى نضمن عدم تداخل الاختصاصات , ومع منحها صلاحيات عمل واسعة , يتم دعمها بواسطة أجهزة حديثة مرتبطة بكل وسائل التكنولوجيا العصرية , من أقمار صناعية ومراقبة وتتبع الاتصالات بكافة صورها وأشكالها , وتكون مستقلة تمامًا عن الأمن السياسى , كى لا يتعارض عملها مع عمل الاجهزة الاخرى وكى تتفرغ تمامًا للأمن الجنائى .

وبكل تأكيد جهاز شرطة بهذه المواصفات والمهام الوظيفية بحاجة أيضًا الى أن يكون جميع العاملين فيها من ضباط وأفراد على مستوى مهنى وتعليمى غير تقليدى بالمرة , ولذا فأن جميع أفرادها المعاونين للضباط يجب ان يكونوا من حملة المؤهلات العليا فقط , مهما كانت بساطة الوظائف التى يؤدونها , لضمان حد أدنى من القدرة على تحليل ومواجهة التطور فى الاساليب الاجرامية , ونوعية المجرمين الجدد , وكذلك سهولة التعامل بين الضباط والمعاونين لهم خلال عمليات البحث والتحقيق , التى تتطلب قدرات عقلية تسبق قدرات الجناة .

قد تكون هذه الفكرة جديدة علينا فى مصر على حد معرفتى , ولكنها موجودة فى أمريكا فى المباحث الفيدرالية وفى أوربا وفى دول عديدة , وحتى فى مصر توجد نماذج قريبة منها كمكافحة الارهاب ومكافحة المخدرات وغيرهما , ولكنها أدارات تعمل ضمن المنظومة التقليدية , وما أطرحه هو شرطة مستقلة تمامًا فى عملها عن باقى أجهزة الشرطة التقليدية , ويكون نطاق عمل أى ضابط فيها هو الجمهورية بكاملها .

لدينا فى مصر خبراء أمنيين سابقين وحاليين سافروا الى بلدان عديدة وشاهدوا تجارب مماثلة , ولذا يمكنهم بكل سهولة ويسر تطبيق نموذج مماثل فى مصر , فمع ظهور النوعية الجديدة من الجرائم عبر المدن والمحافظات , بات لزامًا علينا البحث عن ايجاد كيان شرطى جديد يعمل عبر حدود المدن والمحافظات ويتجاوز التعقيدات الادارية ويساهم الى جوار باقى أجهزة الشرطة فى حفظ أمن مصر وأمان شعبها , ومثلما يحترم العالم شئ أسمه المباحث الفيدرالية فليكن فى مصر المباحث الاقليمية يحترمه العالم كله.