«اللص» الذي لم يسرق

لا تندهش إن كنت يومًا في نُزهة مع أصدقائك أو أبنائك أو زوجتك أو أقاربك وفوجئت برجل الشرطة يُلقي بالقبض عليك بحجة إنك مطلوب على ذمة قضية «سرقة».. ولا تستغرب إن أبلغوك يومًا في عملك بأن مُحضر المحكمة ترك لك إخطارًا بمثولك أمام قاضي الجُنح لمحاكمتك في جريمة «مُخلّة بالشرف».. وتوقع في أي لحظة إنك على قائمة الممنوعين من السفر، أو محجوزًا بـ«كمين شرطة»، أو داخل حجز بإحدى محطات مترو الأنفاق بصفتك مجرمًا مطلوبًا للعدالة.
ولا تتعجّب إن فوجئت يومًا بوجود إنذار مُلصق على باب شقتك بتسليم نفسك أمام جهات التحقيق في واقعة استيلاء على المال العام، فجريمتك هنا هي من نوع آخر، لم تكن بدافع حقد أو نزاع أو طمع في مال أو أرض أو عرض، بل هي «عقاب» جراء قوانين عقيمة فشلت في وضع رؤية صحيحة للتعامل مع الأزمات ومستجدات الأمور، الجريمة هنا سرقة «تيار كهربائي» مع سبق الإصرار والترصد، بطلها في عين هذه القوانين «لص» ارتكب جريمته وعليه أن يأخذ من العقاب ما يستحق، أما في واقع الأمر فهو «بريء» لم يرتكب جرمًا مُحرمًا بل استخدم أبسط وسائل الحياة البسيطة أسوة بجميع البشر الذين يعيشون على وجه هذه البسيطة.
دستور 2015 حدد في المادة رقم 71 من قانون تنظيم الطاقة رقم 87، عقوبة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه أو بهاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، لكن هل سأل المُشرّع نفسه قبل وضع أو اعتماد هذه المادة، ما هو مصير آلاف العقارات الجديدة المُخالفة لقوانين البناء التي تم تشييدها في السنوات الماضية القليلة.. ومتى وصلت إلى هذه الارتفاعات ؟.. وهل سأل نفسه أين كان السادة موظفي المحليات وقت البدء في عملية البناء.. وما هو عقابهم بعد تورطهم في هذه المُخالفة؟.. ولماذا لم يتخذوا الإجراءات القانونية ضد أصحاب تلك العقارات قبل وضع حجر الأساس؟.. وأخيرًا لماذا يُعاقب المواطن وحده في هذه المعادلة ؟.
دعونا نعبر مرحلة التفتيش في أمور العاملين بقطاع المحليات «المُبجّل»، أو إسناد اللوم على «المُشّرع»، أو المرافعة من أجل تبرئة المواطن المُخالف.. الرئيس السيسي من قبل أنهى هذا الأمر وأعطى توجيهاته لـ«حكومة إسماعيل» بسرعة تقنين أوضاع العقارات المُخالفة، لتوصيل التيار الكهربائي لها من خلال تركيب العدادات الكودية، إلا أن الفساد بـ«شركات الكهرباء» أقسم أن يمارس تغوله وتعنته ضد أماني البسطاء الحالمين بالاستقرار، وأصبحت – بعد توجيهات الرئيس- تمارس أسلوب «الإذلال» مع المواطنين المُتقدمين لطلبات التركيب، عن طريق رفع أسعار المقايسات ورسوم إجراءات التركيبات وتعقيدها، بالإضافة إلى «لزوم الشاي» الضريبة الإجبارية التي يتطلب على كل مواطن دفعها قبل استلامه للوصلة الشرعية.
صاحبة الفضل «وزارة الكهرباء» أعلنت في بيان لها أن هناك 4 مليارات جنيه تم تحصيلها مؤخرًا حصيلة تقنين أوضاع المُخالفين عقب تركيب العدادات الكودية لهم منذ صدور قرار الحكومة، وهو ما يؤكد تحقيق أرباح طائلة للدولة ولشركات الكهرباء حالة تقنين أوضاع المُخالفين بخلاف وقائع سرقة التيار التي كبدت الدولة خسائر فادحة، وجعلت الكثير من المواطنين مُجرمين لا ينامون الليل، تطاردهم كوابيس التشرد والضياع وتراودهم أحلام الاستقرار.