الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الثانوية العامة.. قصر فى الصحراء


منذ نعومة أظافرنا ونحن نسمع عن إصلاح العملية التعليمية فى مصر، بل لا يكاد يخلو أى حديث لوزير سابق للتربية والتعليم عن إصلاح نظام التعليم بصفة عامة والثانوية العامة بصفة خاصة، وكان لكل وزير منهم رجالة من المؤيدين للحكومة ليل نهار سواء عن اقتناع أو عن مقابل مادى أو معنوى، ففى النهاية لم يعلن وزير سابق للتربية والتعليم عن رؤيته الا وهلل لها المهللين وصفق لها المصفقين، يرحل الوزير ويأتى غيره برؤية مغايرة، ويهلل لها أيضًا من هلل لكل من سبقوه، حتى صارت المصداقية تترنح على المحك.

ولكن هذه الأيام لدينا وزير للتربية والتعليم مختلف نوعًا ما عن معظم من سبقوه من ناحية الخبرات السابقة، وهو صاحب رؤية إصلاحية نابعة من فكر إبداعى فى الأساس، وهذا الفكر الإبداعى لكى يؤتى ثماره بحاجة الى تهيئة بيئة مناسبة له، والا سنكون قد بنينا قصرًا رائعًا فى صحراء جرداء لا حياة فيها وماء.

لأن العملية التعليمية فى أى مكان فى العالم مكونة من ثلاثة أطراف رئيسية، الإنسان سواء كان معلما أو تلميذا، والمكان سواء كان مدرسة أو جامعة، والمنهج التعليمى أو المقرر الدراسى الذى يتم تدريسه، والثلاثة أطراف متداخلة ومكملة لبعضها البعض، فيها أطراف تمثل للجميع عدالة مطلقة، وهما المكان والمقرر الدراسى، وفيها طرف سلوكه خاضع لعدالة نسبية.

بمعنى أن المدرسة أو الفصل ككيان مادى يمثل مساواة لكل التلاميذ الموجودين فيه، فالفصل الذى يتسع لعدد معين من الطلاب، نسبة أو درجة كثافته تمثل عدالة لكل تلميذ فيه، والمقرر الدراسى الذى يتم تدريسه من شمال البلاد حتى جنوبها يمثل عدالة لكل من يدرسه، بغض النظر عن رضانا أو عدم رضانا عن هذا المقرر من ناحية الكم والكيف، فهما طرفان الكل أمامها سواء.

أما الطرف الثالث للعملية التعليمية وهو الإنسان، فهو يمثل عدالة نسبية من ناحية السلوك، بمعنى اننا لا نستطيع أن نقول إن كل مدرسين مادة ما متساوون فى شرحهم للمعلومة أو معاملتهم للتلاميذ فى جميع مدارس مصر، أو نقول إن كل المعلمين فى مدرسة ما أو محافظة ما يعاملون التلاميذ بنفس المستوى دون أى تفرقة، فالعدالة هنا نسبية تختلف من شخص الى آخر، ولذا فإن إصلاح هذا الشق فى العملية التعليمية هو الأصعب.

ذلك لأنه شق مرتبط بالمجتمع وبالبيئة المحيطة، وبالثقافة السائدة وبالقيم المتوارثة فيه، ولذا عندما نتحدث عن تطوير لنظام الثانوية العامة على سبيل المثال، مبنى على اختبارات قدرات يكون للعنصر البشرى فيه دور جوهرى وأساسى، فاننا بذلك نخرج من حيز العدالة المطلقة فى النظام الحالى رغم عيوبه التى من الممكن معالجتها أو التقليل منها، الى حيز العدالة النسبية.

ففى ظل ما يدور حول تفشى الواسطة والمحسوبية فى المجتمع، فإن الحديث عن نظام قبول بالجامعات مبنى على تقييم شخصى للطلاب المتقدمين، سيكون ذلك ربما يكون طريقًا للقضاء على مبدأ تكافئ الفرص دون ان ندرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحديث حول جعل نظام الثانوية العامة نظام تراكمى لمدة ثلاث سنوات دون إصلاح باقى الظروف المحيطة بالطالب المصرى، وهو شيء مستحيل أن يتم فى عدة سنوات، فأننا بذلك نحمل الأسر المصرية عبئا لا طاقة لهم به، ناهيك عن الطالب نفسه الذى سيرهق ماديًا ومعنويًا.

وقد سبق وأن جربنا نظام ثانوية عامة مقسم على عامين، وثبت فشله، فما الداعى الى استبداله بنظام ثانوية عامة مبنى على ثلاث سنوات؟ وهل الأسر المصرية فى ظل ثقافة الدروس الخصوصية قادرة على تحمل عبء ثلاث سنوات من المصاريف والتوتر فى ظل ظروف اقتصادية فى غاية الصعوبة؟

لا أحد يختلف حول ضرورة إصلاح منظومة التعليم فى مصر، ولكن الإصلاح التدريجى المبنى على حقائق الواقع هو الطريق الصحيح، وما عدا ذلك سيكون كارثيًا، فليست أقصى سرعة هى دائمًا الحل الأمثل للوصول السريع، فعندما تقود سيارة بأقصى سرعة على طريق غير ممهد لتصل سريعًا، فلن تصل الا متأخرًا وقد لا تصل وتضطر للعودة الى الوراء مرة أخرى، لأن الطريق غير الممهد سيؤدى الى تلف السيارة وتعطل كل الركاب فيها... وللحديث بقية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط