خطابكم لم يصل

ظاهرة الجهل بالمفاهيم والمصطلحات أصبحت سائدة في مجتمعاتنا، نعاني منها منذ زمن طويل، حتى جعلتنا نعيش في واقع مرير، يصعب فيه حل المشكلات التي تواجهنا بمنطقية، أو تحليل أحداثها بصدق، فاختلط الحابل على النابل، حتى طالت هذه الظاهرة الخطيرة مُعتقداتنا الدينية، وأصبحت عُرضه للتحريف والتشويه، يُفتى في شئونها غير المُختص، ويشرح مضمونها الباحث عن أضواء الكاميرات، من أجل شهرة زائله، أو ترويجًا مزيفًا لحقائق وثوابت دينية لا يجوز التشكيك فيها، كان آخرها دعوات تجديد الخطاب الديني، لمواجهة العنف والفكر المتطرف.
ولما لا يوجد عنف.. والهجوم على مؤسسة الأزهر وعلماءها ومشايخها أصبح جهارًا نهارًا، ذلك الكيان الديني الوسطى الذي تحترمه كل شعوب العالم وتقدره، وتأتي إليه الوفود من كل حدب وصوب، قاصدين دهاليزة وأروقته لتلقي العلم والدين، باعتباره مركزًا تنويريًا للتراث الفكري والثقافي والروحي للأمة، ومحورًا رئيسيًا لمحاربة التطرف والإرهاب.. ولما لا توجد فتن، وهناك أيضًا هجومًا شرسًا وصل الي سب وقذف رموز دينية تنتمي لهذا الصرح الديني العملاق، وتخرجت من جامعاته ومدارسه، حامله معها لواء التنوير والمواطنة، أو ربما هجومًا على شخصيات دينية لم نعاصرها ولم نسمع عنها سوى في كتب التاريخ، التي أخنى عليها الدهر، كان على رأسهم الإمام «البخاري» الذي اتُهم بأنه هدم علم الحديث، والأمام محمد متولي الشعراوي الذي اتُهم بأنه دعى للفكر المتطرف، وحرض الفنانات على ارتداء الحجاب، كما نال الهجوم أيضًا الإمام ابو حنيفه وأحمد بن حنبل والكثير من الصحابة وشخصيات دينية كثيرة أخرى يصعب حصرها.
بالطبع لايمكن أن تؤتي هذه الدعوات ثمارها، ولا يمكن أن يصل الخطاب الديني بالشكل المطلوب، طالما ما زلنا لا نريد الاعتراف بالحقيقة المرة التي نعيشها، وهي أن هناك الملايين لا يعلمون المفهوم الحقيقي والصحيح لعبارة «تجديد الخطاب الديني»، بل ولا يعلمون آليات تطبيقه أو تنفيذه في بلادنا، كما أن السواد الأعظم من المُتحدثين والمُحللّين والمتطوعين «عنوة» في تفسير مفهوم تجديد الخطاب الديني غير مُلميّن سوى بمحتواه العام، الذي يقتصر في خطبة داخل مسجد تطالب بمحاربة الفكر المتطرف.
وسؤالي هنا: هل يمكن أن تؤتى دعوات تجديد الخطاب الديني ثمارها وسط هذا العدد الهائل من وقائع العنف والتطرف الديني الذي نعيشه، دون أن نُعيد النظر في مضمون المناهج الدراسية، وإدراج مفاهيم القيم والأخلاق والمواطنة بين الطلاب خاصة فى مقررات المرحلة الجامعية، وهل يمكن أن تؤتي هذه الدعوات ثمارها وما زلنا نتعامل مع ملف الإرهاب والتطرف بالحل الأمني والعسكري فقط، دون الالتفات إلى تطهير المنابع واستئصال جذور الإرهاب بالتوعية والثقافة والتنوير.. وهل يمكن أيضًا أن تؤتي هذه الدعوات ثمارها دون أن يوجد ضابط أو رابط يردع ويعاقب المتحدث بإهانة عن شئون الأديان ومؤسساتها.. بالطبع لا .