الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يحيى ياسين يكتب: بلال ليس شهيدًا

صدى البلد

قام بلال في عتمة الليل الحزين وقد أهمته الدنيا الفانية، يتعبد بين يدى خالقه، فإذا به يتذكر قصوره مع ربه ليقرر التوبة عن الذنوب وينهى حزنه الدائم، لينعم بالدنيا وما فيها.

ذهب بلال فجلس مع أناس يبدو الصلاح على وجوههم، والفلاح في عملهم، والطيب يخرج من أفواههم، وفرشوا له ما تطيب له نفسه، فانشرح قلبه وابتسم وجهه بصحبة الفالحين المصلحين ولم يطلع على ما أخفوه في صدورهم وعظم من ذنوب خلواتهم، وبكى بلال من فعلاته التى رسموها له من النار والشرار..

خلع الشاب الجميل رداء شبابه وحسن صفائه ليغرس قدمه في جماعة الفلاح والصلاح، ظنا منه أنه ينعم برضا الخالق بصحبتهم، ويعصم نفسه الفواحش، ويكف لسانه قول البذاءة والفجور كما يدعون، فلبس الجلباب المُقصر، وأطلق اللُحية المُحنّاة، وأعفي شاربه الصغير، وأسلم قلبه وعقله لشيخه يضعه ويقوده كيفما شاء فهو الصالح الذي يقوده لفردوس الدنيا والآخرة.

كانت أمه تراه يتنفر أحوال أهله، وينعزل جلوس قومه، ليمكث يصلى ويصوم ويقوم ليله ونهاره تقربا لربه، ولا يتقول على لسانه سوى الحلال والحرام، بل انقطع بلال عن صحبته فكان يراهم الفاجرين المارقين كما علموه في جلستهم، نعم، لقد جردوا بلالًا من نفسه وأهله وأخلّائه بعد أن أسلمهم روحه الطيبة الطاهرة.

وما هو إلا القليل حتى كشفت الجماعة عن لهيب أنيابها ليعرضوا عليه جهادًا في سبيل الله، وحاشاه أن يكون لله، أقنعوا بلالًا أن يجاهد بلسانه الفحشاء، وأن يجاهد المسلم أخاه إن عصي شيخ الجماعة، أى جهاد اّدعوا أنه في سبيل الله وهم يرمون المسلمين بالمسلمين؟، وأى جهاد أمر الله به يُروع الآمنين ويسلب أرواح الأبرياء السالمين؟

اغتسل بلال كما أمره سائق عقله، ويكأنه اغتسل من ذنوب الدنيا، وتجهز لزفاف حور الجنة، فخرج بلال منتويًا الشهادة في سبيل الله!، انتوى شهادة بقتل إخوته من بنى قومه ودينه، وقف بلال في وجه جندى يدافع عن وطنه وعرضه وهو يرميه بوابل من الرصاص، حتى يقتل بلال الجندى فيخر صريعا على الأرض ويصيبه الجندى بقذيفة في كتفه ليكبر بلال ثلاث مرات "الله أكبر" لنصر الله.

اقترب بلال من الجندي ليمثل بجسده وهو عدوٌ لله ورسوله، فإذ به يُصرع من دهشته، ويقف الزمن بُرهةً، فيخر بلال شريد العقل من هول ما رأى، نعم، لقد وجد شقيقه في دمه غريقًا، باسم الوجه مثل عريس يُزف يوم عرسه، وازداد النزف من كتفه ولا يقدر أن يوارى دماء أخيه الثرى، ثم وقف قائلا " أى شؤم هذا !؟ ويحك وويح أمك لما صنعت يا بلال.

عاد الفتى المسلوب عقله ونفسه، فلمن يشكو بأسه وما ألم به، فهو يخطو على قدميه ولا يرى، حتى وصل ليجلس بين يدى شيخه ، وسال الدمع من عينيه كنهر تفجر إلى غير وجهة يصب بها، ثم قال "أتدرى من قتلت يا سيدى"؟، أما والله لقد صرعتُ شقيقى بيدى هاتين وقد بلغ نحيبه عنان السماء وقلبه ينبض حزنًا وفزعًا، فكيف أجابه سيده وشيخه؟

وما يضيرك يا فتى؟ لقد استباح دمه منذ أن فارق الجماعة واتبع الشهوات وتبع مجتمع المنكرات!، قبحه الله من جواب! أى دماء استبحتموها تسفكونها بأمر سيدكم العبوس! وهل أحل الله لكم أم هو هاتف من سيدكم؟ تذمر الفتى على سيده فكشر بأنيابه غاضبًا متوجهًا بالحديث لسيده قائلًا "قبح الله صنيعتكم بى وبأخى".

فبماذا كُرم بلال على صنيعه وجهاده في سبيل إرضاء شيخ الجماعة؟، صُرع بجانب أخيه قتيلًا!!، كيف له أن يخرج عن طوق طاعة أمير الجهاد والمؤمنين؟ بل ودفن بلال مع أخيه فى قبر واحد، قبرٌ يجمع خصيمين أمام الله من نفس الوالدين! فعلى من يصيبنا الحزن؟ وماذا يقول بلالٌ لأخيه إذا اختصما بين يدي الله يوم القيامة!؟

هذا المقال يجسد كيفية صناعة إرهابي واستدراج الشباب من خلال النزعة والفطرة الدينية