الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تجديد الفكر الديني والقومي معًا


قد لا يختلف الكثير من العقلاء أن الدين وظيفته الأساسية هي خدمة اإانسان وايصاله لحالة من التجرد المادي وإعلاء القيم المعنوية والروحية لديه، حتى أنه يمكننا القول أن الدين ما هو إلا عبارة عن وسيلة للوصول بالمجتمع إلى مكانة من الاحترام المتبادل وابداء الرأي بكل حرية والعيش المشترك بين الشعوب على أساس "أنَّ أكرمكم عند الله اتقاكم".

كذلك القومية هي اعتزاز الشخص بقوميته التي ينتمي إليها والتي تشكل له بنفس الوقت الهوية الإنسانية في العيش المشترك مع الآخر من قومية أخرى. فالقومية ما هي إلا وسيلة للوصول بالمجتمع المتنوع إلى حالة من التوافق المشترك لبناء مجتمع تكون قوته ووحدته في التنوع والتعددية، لا في الاقصاء، على أساس "ومن آياته اختلاف ألسنتكم". وكِلا المصطلحين ليسا من اخيار الانسان بحد ذاته بقدر ما هو اختيار اجباري وضروري لسيرورة الحياة بمعناها الجميل والأسمى.

التعصب والتطرف في الدين والقومية يؤدي بكل تأكيد إلى خروج الانسان من طبيعته الانسانية المجتمعية التي هي أساس تطور الحضارات عبر التاريخ، خروجه نحو التوحش والعيش في مجتمع الغاب والذي يؤكده داروين من خلال نظريته أنَّ "البقاء للأقوى". هذه النظرية التي يمكن اعتبارها الحجر الأس في بناء العقلية التعصبيه للدين والقومية والتي تكون أهم افرازاتها هي اعتبار الشخص الحالكم نفسه "ظل الله" على الأرض، وهو الآمر الناهي في كل شيء وأنه لا ينطق عن الهوى بل يوحى له، ومع مرور الوقت تظهر الدكتاتورية بكل تجلياتها القوموية والدينوية والتي تكون السبب الرئيسي فيما نعيشه اليوم.

العلوم الوضعية التي شوهت العلم وأخرجته من مضمونه الاجتماعي وصيَرته آلة في يد القوى الرأسمالية الناهبة للإرث الانساني الممتد منذ آلاف السنين والتي تعتبر أنها هي صاحبة العلم ولا أحد سواها. تقوم على حقن الانسان بمعلومات هو بغنى عنها وبعيدة كل البعد عن طبيعته الانسانية والمجتمعية على أساس أن كافة العلوم ينبغي أن تدخل في خدمة الانسان. لكننا نرى أن الانسان بات يعبد العلم من أجل جني المال والربح الأعظم. الرأسمالية الحداثوية سرقت كافة العلوم ووضعتها في خدمتها فقط وباتت تسرق وتسرق جهد الانسان من أجل الربح ثم الربح وليذهب المجتمع إلى الجحيم.

عملية تزاوج الدين مع القومية تمت منذ زمن بعيد وتجلت بكل وضوح في أوروبا بعد الثورة الصناعية وخرج بعض الفلاسفة لتأكيدها على أنه من دون هذه المصطلحات لا يمكن أن يعيش الانسان. وتم اقناع الناس بهذه العلوم على أنها الحقيقة الكاملة وأي شيء من دونها ما هو إلا عبارة عن كذب ورياء أو خيال وبعيد عن الحقيقة. يقول الفيلسوف الألماني هيغل أنَّ "الدولة ما هي إلا ظل الله على الأرض"، وأنَّ "الدولة دائمًا على حق"، وغيرها الكثير من الأفكار الفلسفية التي أثرت بشكل مباشر على المجتمع وأخضعته لسلطة الزعيم الذي هو الحاكم المطلق وأن طاعته واجب لا غبار عليه. وبما أنه يمثل الدولة فهذا يعني أنه يمثل الرب بنفس الوقت.

عملية التزاوج هذه بين الدين والدولة القوموية نجني ثمارها السلبية الآن أكثر من أي وقت مضى. فتغيير المصطلح من أنه وسيلة ووضعه في مكان الغاية هو أساس المشكلة التي نعاني منها كمجتمعات بشرية تتطلع دائمًا نحو العيش الكريم والبعيد عن الاستبداد.

وما الأطروحات التي تظهر في الآونة الأخيرة والتي تنادي فقط بتجديد الخطاب الديني ما هي إلا محاولة للخروج من عنق الزجاجة التي نحن فيها، لكنها لن تنجح أبدًا إذا لم تتخذ من تجديد الخطاب القوموي أيضًا كوظيفة مهمة وفض الارتباط بينهما، لأنه بهذا الأسلوب لن يكون لدينا سوى حمامة عرجاء لا فائدة منها ستتكل على الغير ويتم إعادة وتعويم السابق بلبوس جديد. لأن الدولة في النهاية ما هي إلا وسيلة لحفظ أمن واستقرار المجتمع البشري وليس لاستغلاله والحط من شأنه تحت حجج كثيرة إن كانت فرض الأمن والاستقرار او جبي الضرائب وغيرها الكثير.

بقدر ما تكون سلطة الدولة خفيفة على المجتمع بقدر ما يتجه المجتمع نحو الديمقراطية وخلق الانسان المبدع الذي يكون هدفه الأول والأخير هو خدمة المجتمع لا استغلاله. فعلينا أن ندرك جيدًا أن كل شيء هو في خدمة الانسان لأنه هو هدف الحياة ومبتغاها. وعكس ذلك هو التعصب القوموي والتطرف الدينوي ولن تكون نتيجته سوى المزيد من القتل والاعتقال والنحر والاستبداد.

فلا القومية العربية ولا القومية التركية ولا القومية الفارسية ولا القومية اليهودية جلبت الحلول لشعوبها ولمجتمعاتها، بل حالة العداء والتنافر والاقتتال هو المسيطر على المجتمعات المتنوعة. علينا حينها القيام بإعادة التفكير في هذه المصطلحات للخروج من الوضع المتأزم الذي نعيشه والبحث عن حلول خلاقة تجمع الكل من قوميات وأديان وإثنيات ومذاهب في بوتقة العيش المشترك على أساس أخوة الشعوب وأن يعيش الكل مع الكل وليس العكس الكل ضد الكل.

ربما تكون فلسفة السيد أوجلان هي الخطوة الأولى في الخلاص من الوضع الذي نعيشه وذلك عبر فلسفة "الأمة الديمقراطية" التي تحتوي وتحتضن الكل بعيدًا عن التعصب القوموي والدينوي، وهذا ما تم تطبيقه في فيدرالية شمالي سوريا التي باتت نحط أنظار الكثير ممن يبحثون عن حلول للقضايا المجتمعية. وهذا ما ستخبره لنا قادم الأيام.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط