الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عروسة النيل


يا عروسة النيل يا حتة من السما.. ياللى صورتك جوة قلبى ملحمة إحنا لو مرة نادينا، تجرى على أصغر ما فينا.. من ورا الليل والمعابد، والكنايس والمساجد تحضنينا وتحكى لينا، تصغر الدنيا فى عينينا، إنتى يا شمعة يا آيدة فى قلبنا، يا عروسة النيل يا حتة من السما.

انتبه أيها القارىء العزيز تلك ليست كلماتى، وإن كنت تغنيت بها كثيرا حتى أصبحت أشعر بها وأحفظها على مر السنين، ولكنها كلمات أحد أهم وأجمل شعراء العامية المصرية (عبد الرحيم منصور)، ولحنها من لا يقل عنه أهمية ولكن فى مجال التلحين (أحمد منيب) ومن توزيع المجدد (هانى شنوده) وتم تتويج الأغنية بصوت الملك (محمد منير)، هل تعرف نتيجة العمل المشترك بين أربعة يصدقون فى حب الوطن و يعرفون قيمة هذا الحب؟ ويتغنون به؟


النتيجة هى أغنية كهذه خرجت إلى النور مع ألبوم (بنت وولد) لمحمد منير فى عام 1978.

لا بد هنا من سؤال هو ما دفعنى لاختيار تلك الأغنية دون غيرها، ما الحدث الذى جرى فى هذه الفترة وكان دافع لعمل أغنية وطنية؟ مع العلم أن مصر فى هذه الأثناء لم تكن تعيش حالة حرب، وكيف كان من الطبيعى أن نستمع لأغنية وطنية كجزء من ألبوم غنائى عادى ونحبها ونتقبلها ونرددها؟

كان ذلك بعد انتصار أكتوبر المجيد، والأحداث التى توالت بعد سنوات الحرب من إتفاقية السلام و إجراءات الانفتاح الاقتصادى، مما أدى لوجود زخم و مناقشات ومعارضين لتلك السياسات ومؤيدين، ولكن تجد هؤلاء العمالقة يبحثون عن جذورهم العميقة فى الأرض و يتمسكون بها باعتبارها الحقيقة الثابتة التى لا تغيرها آراء، أو تغير مكانتها داخل المصريين أي انتماءات أو مواقف.

نشأ جيل كامل كانت تتفتح مداركه فى ثمانينات القرن العشرين على هذه الأفكار التى تعتبر الأغنية الوطنية جزء لا يتجزأ من تطور وجدانك رومانتيكيا، وبالطبع كان تأثير الفن عميق.

تعلم هذا الجيل أن مصر هى المحبوبة الجميلة السمراء بلون النيل الممشوقة مثل النيل الجارى بطول مصر، أنك من الطبيعى أن تتغزل بها فى كل وقت، وتغنى لها بدون مناسبة، وهو ما كان يفعله فنانون مثل منير الذى تعلمنا من صوته أن يكون الغناء قضية فلسفية، فالوطن محبوبة، والغربة وإن كانت تغريب داخل النفس لا ينهيها غير حضن الوطن.

أما خصوصية عبد الرحيم منصور جعلته يرى مصر زينة بلدان نهر النيل فهى عروسته كما فعل أجداده، عندما كانوا يسجلون عدم تلويثهم لماء النيل فى ميزان حسناتهم عند الحساب، ويلقون إليه عروسة كما تقول الأسطورة كل عام، جعلته يراها النجم الذى يقع من السماء ليضىء الأرض.

أحمد منيب المصرى ذو البشرة النوبية الممزوجة بطمى النيل، فمصريته تتجلى فى لحن عبقرى، سهل لتحفظه الأذن و تردده، و سهل كسهولة تدفق المشاعر عندما يتوحد خيال و عقل الإنسان فى حديثه عن من يحب.

هانى شنودة أجاد استخدام آلات إيقاعية تجعل القلب ينبض مع آلة العود الأساسية فى موسيقى الأغنية، مع احتفاظه بألا تتحول الأغنية لنشيد.

من صنعوا هذه الأغنية كانوا يغنون الوطن دون مناسبة لأنه لا يحتاج مناسبة، علمونا أن نحب الوطن و نغنيه بشكل رومانسى لأنه الحب الذى لا تتغير مكانته على حسب الظروف أو الآراء. 

"يا عروسة النيل تعيشي يا مصرنا".      
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط