كلام في الحب

تجاربي مع الحب والرومانسية تكاد تكون محدودة جدًا ولا تخرج عن تجربتين، ولذلك، فلا تستطيع أي إمرأة مهما حملت من مفاتن وجمال أن تفوز بقلبي إلا بشروط، لأن للحب بداخلي معانٍ أخرى تستطيع أن تجعلني المتيم الولهان الذي يسعى بكل قوته لإسعاد من أحبها.
قصة الحب الحقيقية هي التي عشتها مع الراحلة زوجتي وأم أبنائي، والتي استطاعت أن تخرج كل ما في قلبي تجاهها كأنثي راجحة العقل وكبيرة القلب امتلكت جميع المقومات التي تؤهلها لذلك وبكل سلاسة.
فمن دروس الحب المستفادة بالنسبة لي، أن ينبذ أي متحابين كل الشكليات ويتعاملوا بشخصياتهم الحقيقية الواقعية لكي يؤسسوا حياتهم على الصدق، لأن الحياة المؤسسة على أساس صادق هي الحياة الناجحة، أما التي تؤسس على الشكليات وأن يظهر كل منهما أجمل ما فيه فقطعًا سيأتي اليوم الذي لن يستطيعوا فيه الاستمرار في ذلك وتتكشف الشخصيات الحقيقية فيحدث النفور والابتعاد حتى وإن كان أحدهما يحب بصدق سيفترقوا.
وجدت نفسي أريد الكتابة في هذا النوع الذي لم أعتاد كتابته من قبل إلا قليلًا منذ أن عرفت أصابعي الإمساك بالقلم ولكنني أريد شرح تجربتي كنوع من التوثيق لها.
فعلي من يريد بناء علاقة سوية مستمرة لأخر العمر أن يفهم أن الحب عطاء عميق وتأثر عاطفي بشخص آخر والشعور برباط دافئ، وهو مودة عميقة كما هو الحال بين الأب وابنه والأصدقاء، والحبيب والحبيبة.
علماء النفس عرفوا الحب بأنه ينطوي على سؤال فلسفي أو روحي، ويتعلق في بيولوجيا التعلق التي تبين أنّ هناك مجموعة من الهرمونات والنواقل العصبية التي تتشارك في تطوير الروابط الفسيلوجية بين المحبين، وهو أيضًا حالة من الرُّقِي في أسمى أوجهها.
الحب عاطفة شعور لا يمكن للكلمات أن تَصِفه، وهو حالة كانت وما زالت مبهمة للجميع، ولكنها أسمى أوجه الرقي.. الرقي في كل النواحي بلا استثناء، والرّقي في الحب يجب أن يكون في الترفُّعِ عن الصغائر، فعلي سبيل المثال.. فلا يرى الحبيب محبوبه متعصبًا ولا يقدر ذلك، وتكون غايته فيه أن يكون معه في متطلباته فقط، وعلى الحبيب أن يعطي بلا مقياس ولا ينتظر المُقابل، فسعادته تكمن في إسعاد الطرف الآخر، ومجرَّد ابتسامة من شريكه تجعله أسعد المخلوقات، وحُزن الشريك دائمًا ما يكون ضربة مؤلمة في أعماق قلبه فيحتاج من يحنو عليه ويشاركه أحزانه ويحتاج ذلك منه فقط دون غيره من البشر.
الحبُّ أيضًا رُقي في التعامل المادي، فلا تكون المادة سببًا ولا هدفًا، إنما هي غاية لتحقيق سعادة الطرف الآخ، وهو أيضًا رقي في المشاعر، فلا يجرح الحبيب حبيبه ولا يؤذيه ولا يظلمه، فالحبيب يجب أن يرى مثلًا دموع الطرف الآخر كالخناجر تُمزِّق أوصاله، وعليه لعب الدور الأساسي في مسح هذه الدموع وتبديلها لسعادة من يحب.
كم هو جميل الحب في معناه الراقي، وكل من جرَّبه في هذه الحالة هو من السعداء، فارتقوا إليه لترتقوا به، ابحثوا عنه ولا تفرضوه ولا تطلبوه، فالحب كالرزق، تسعى إليه لأنه لن يأتيك وحده، ولو طلبته لكنت شحاذًا، وعندما تجده فلا تفرط فيه حتى لا تندم عليه بقية حياتك لأنك قطعًا لن تقابل مثله مرة أخرى.
وإذا أردنا وضع توصيف وتنويع للحب فلن يخرج عن هذا:
فهناك الحُب من طرف واحد: وهو الحُب الناشئ تجاه طرف آخر مع العلم المُسبَق بأن هذا الشخص لا يبادل نفس المشاعر وقطعًا ستكون نهايته الفشل وخيبة الأمل.
ثانيًا، الحُب الأناني: فهو يُعبّر عن الحُب المبنيّ على حُب الذّات بشكل أساسي، فأحد الأطراف في هذه العلاقة يُحب ويهتم بنفسه فقط دون الالتفات للطرف الآخر وهذا محكومًا عليه بالخيبة ولو بعد حين.
ثالثًا، الحُب القويّ: وهو الحب القوي الناتج عن الانجذاب الجسدي القوي تجاه شخص ما وهذا يمكن أن يستمر ويمكن أن ينتهي في أي لحظة.
رابعًا، الحُب الرّومانسي: وهو الحُب المتمثّل برؤية الدُنيا بنظرة سعيدة وورديّة ورومانسية، إلى جانب التفكير المستمر بالمحبوب وعدم القدرة على الابتعاد عنه، وهذا النوع نادر جدًا لأنه هو الحُب غير المشروط والخالي من الأنانيّة، والذي يقضي مُعظم الأشخاص حياتهم في البحث عنه ،ونصيحتي هي إن وجدتموه فلا تفرطوا فيه بل قدموا كل ما لديكم للحفاظ عليه لأنكم قطعًا إذا فقدتموه ستفقدوا معاني الحياة الأفلاطونية التي نحلم بها جميعًا لأنه أيضًا هو الحُب الناتج من أول نظرة تجاه أي شيء أو أي شخص ويستمر طوال العمر.. وهنا لا أخفي عليكم سر حزني الشديد لفراق زوجتي حتى هذه اللحظة، كان لأسباب عديدة منها، أنها كانت تمنحني كل هذا وأكثر وكنت أسعى لأحقق لها كل ما كانت تتمناه وتحلم به أو نحلم به معًا ولكن القدر كان أقوي وسلب منا كل شيء.